الفصل الخامس عشر: شِبْل العرب

بدأت إذاعة BBC في London بخدمة البثّ باللغة العربيّة في الشرق الأوسط، مستغلّةً الأوضاع التي تحدث في فلسطين، حيث كان عيسى صبّاغ ما زال طالبًا في جامعة Exeter البريطانيّة. وفي الثالث من شهر كانون الثاني عام ألف وتسعمائة وثمانية وثلاثين ميلاديًا، شرَعَتْ في بثّ خبر إعدام رجلٍ فلسطينيّ، وبدأت ببثّ فظائع الحكومة البريطانيّة ضدّ العرب، واضعةً السياسيّين البريطانيّين والحكومة، في موضعٍ حرِج. وقامت إذاعةٌ إيطاليّة بمحاولة البثّ باللغة العربيّة أيضًا؛ بعدما كشفت الثورة الفلسطينيّة عام ألف وتسعمائة وستة وثلاثين، حقيقة نوايا الحكومة البريطانيّة في الانتداب على فلسطين، ومساوئ أفعالها.

وحينها، حَلَّت بعثة بريطانيّة على أرض فلسطين، عام ألف وتسعمائة وثمانية وثلاثين، لنقض توصيات بعثة Peel بشأن تقسيم فلسطين، حيث أوضحت البعثة، رغبة حكومة مَلِك بريطانيا في إنهاء حكم الانتداب، وتأسيس دولةٍ فلسطينيّةٍ حليفةٍ لبريطانيا، وهو ما أصدر على إثره Malcolm MacDonald، وزير المستعمرات البريطانيّة حينها، كتابًا أبيض آخر، يحدّد نسب الهجرة إلى فلسطين في خمس سنوات بحيث لا تتجاوز مائة ألف يهوديّ سنويًا، بإبرام صفقةٍ مع العرب لِمنْحِهم الاستقلال مقابل هذا الشرط. وهذا ما جعل أيّ أملٍ للصهاينة بإقامة دولةٍ لليهود يُدفَن، مكتشفين أنّ حتى وعد Balfour لم يَضمن لهم هذا الأمر.

والأمر المثير للسخرية حقًا أنّ جماعةً سِرّيةً من اليهود في فلسطين تُسمّى جماعة Stern Gang، نسبةً لزعيمهم Avraham Stern، اتصلت بالنازيّين في ألمانيا للتحالف معهم ضد بريطانيا، متناسين أنّ الألمان هم السبب الأوّل في محاولة تهجير اليهود وطردهم من أوروبا. كما نهض عدد من الصهاينة في فلسطين يُعرَفون بجماعة Irgun، لمحاولة تنظيم هجرة غير شرعيّة لليهود من أوروبا إلى فلسطين، ولكنّ جهودهم باءت بالفشل، واعتقلت الحكومة البريطانيّة في فلسطين من حاول الهجرة من اليهود على موانئ البلاد، إلى أن اندلعت الحرب العالميّة الثانية.

 الفصل السادس عشر: بين الحُبّ والحَرْب

وُلِدت Pamela Gradon، والدة الكاتب كارل صبّاغ، في مدينة Brixton جنوب London، لوالدها William Merry Gradon الذي كان مثقّفًا ومتعلّمًا كبيرًا، عكس ابنته Pamela التي لم تصل لمراحل تعليميّة متقدّمة، لكنها أظهرت براعتها في عملها بإذاعة BBC. وقد التقى بها عيسى صبّاغ عند انتقالهما إلى مدينة Evesham في Worcestershire، هربًا من تبعات الحرب العالميّة الثانية. فتزوّجها دون أن يخبر عائلته، ثم أرسل لهم رسالةً في فلسطين يطمئنهم فيها على حاله ويُعْلِمُهم بأمر زواجه وإنجابه لابنه Carl، مُعلِنًا تمرّده على تقاليد العائلة التي كانت تُحتّم عليه الزواج من ابنة عمّه.

على إثر ولادة كارل صبّاغ، تصاعدت حالة العنف في فلسطين، بسبب رفض الصهاينة الكِتاب الأبيض الجديد. وبدأ العرب يدركون أنّ القوّة هي الحل، فخاضوا صراعات مع اليهود في أوائل أربعينيّات القرن العشرين، رغم تعرّض فلسطين للقصف أثناء الحرب العالميّة الثانية من ناحية الشمال تجاه سوريا. وحاولت عائلة صبّاغ النجاة من تبعات الحرب وأعمال العنف في فلسطين، بالاعتماد على مصدر دخل وحيد من عمل عمّة الكاتب Georgette في التدريس. وواصلت والدة الكاتب Pamela عملَها في إذاعة BBC، قبل أن تلتحق لاحقًا بالجيش الأمريكيّ خلال الحرب، وهو ما أدّى إلى طلاقها من عيسى صبّاغ خلال تلك الفترة. ازدهرت أعمال عيسى كمذيع في البثّ العربيّ لدى BBC، حتى أصبح مشهورًا جدًّا، تصله رسائل كثيرة من المستمعين العرب، بينما تولّى بنفسه رعاية ابنه. 

وبحلول عام ألف وتسعمائة واثنين وأربعين ميلاديًا، قرّر الصهاينة في فلسطين بالتعاون مع صهاينة أمريكا، الاستغناء عن الدعم البريطانيّ لإقامة دولةٍ يهوديّة، فعقدوا مؤتمرًا في فندق Biltmore في New York، وكان ذلك بمثابة إعلان حربٍ غير مباشر على بريطانيا، التي كثّفت جهودها للحدّ من الهجرة اليهوديّة. لكن الصهاينة استغلّوا معرفة الرئيس الأمريكيّ حينها، Franklin D. Roosevelt، بالشرق الأوسط، وملأوا رأسه بأفكارٍ مضلِّلة ضد بريطانيا، مدّعين أنّها تعرقل حقّ اليهود في إقامة دولة. وفي حوارٍ له عام ألف وتسعمائة واثنين وأربعين مع رئيس الوزراء الأمريكيّ، عبّر Roosevelt عن رغبته في جعل فلسطين دولة دينيّة، بحيث تبقى القدس كما هي، ولكن تحت إدارة مشتركة بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليك اليونان والبروتستانت واليهود، على أن يتمّ نقل العرب إلى مناطق أخرى يمكنهم العيش فيها. 

 


فلسطين تاريخ شخصي
فلسطين تاريخ شخصي
كارل عيسى صباغ
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00