ومن المسؤوليات الكبرى التي أوجبها الإسلام على المربين من آباء وأمهات ومعلمين مسؤولية التربية الجسمية، لينشأ الأولاد على خير ما ينشؤون عليه من قوة الجسم، وسلامة البدن، ومظاهر الصحة والحيوية والنشاط.
وإليكم - أيها المربون - المنهج العملي الذي رسمه الإسلام في تربية الأولاد الجسمية، لتعلموا ضخامة الأمانة الملقاة على عاتقكم، ومعالم هذه المسؤولية التي أوجبها الله عليكم:
1- وجوب النفقة على الأهل والولد.
2- اتباع القواعد الصحية في المأكل والمشرب والنوم.
3- التحرز من الأمراض السارية المعدية.
4- معالجة المرض بالتداوي.
5- تطبيق مبدأ لا ضرر ولا ضرار.
6- تعويد الولد على ممارسة الرياضة وألعاب الفروسية.
7- تعويد الولد على التقشف وعدم الإغراق في التنعم.
8- تعويد الولد على حياة الجد والرجولة والابتعاد عن التراخي والميوعة والانحلال.
تلكم هي - أيها المربون - أهم الأسس التي رسمها الإسلام في تربية الأولاد الجسمية.
وهناك ظواهر خطيرة نلمحها في محيط الصغار والكبار، والمراهقين والشباب، وجب على المربين ولا سيما الآباء أن ينتبهوا إليها، ويدركوا أضرارها وأخطارها ، ويكشفوا لمن لهم حق التربية عن شرورها وآثارها، حتى لا يقعوا في حبائلها، ويكتووا بنارها، ويتيهوا في منعطفاتها ودروبها.
وفي تقديري أن هذه الظواهر المتفشية في الصغار والمراهقين والشباب تتركز في الأمور التالية:
1-ظاهرة التدخين.
2-ظاهرة العادة السرية.
3-ظاهرة المسكرات والمخدرات.
4-ظاهرة الزنى واللواط.
فما أحوج الجيل اليوم الذي هو أمانة في أيديكم إلى تطبيق هذه التعاليم السامية، والمبادئ الخالدة في إعداده جسميا، وتكوينه صحيا ونفسيا حتى يستطيع أن ينهض بأعبائه، ويضطلع بمسؤولياته في حمل الرسالة الإسلامية إلى الدنيا كما حملها من قبل جيل الصحابة، وجيل التابعين، والأجيال التي تلت من بعدهم. عسى أن ينقل جيلنا اليوم الأمم من ظلمات الإلحاد والانحلال والجاهلية إلى نور الإيمان ، ومكارم الأخلاق ، وهداية الإسلام.
المقصود بالتربية العقلية تكوين فكر الولد بكل ما هو نافع من العلوم الشرعية، والثقافة العلمية، والتوعية الفكرية والحضارية. حتى ينضج الولد فكريا ويتكون علميا وثقافيا. هذه المسؤولية لا تقل خطورة وأهمية عن المسؤوليات التي سبق ذكرها: الإيمانية، والخلقية، والجسمية؛ فالتربية الإيمانية تأسيس، والتربية الجسمية إعداد وتكوين، والتربية الخلقية تخليق وتعويد، أما التربية العقلية فإنها توعية وتثقيف وتعليم. وهذه المسؤوليات الأربعة، ومسؤوليات غيرها مما سنأتي على ذكره هي متضافرة مترابطة متساندة في تكوين الولد الشامل، وتربيته المتكاملة؛ ليكون إنسانا سويا يقوم بالواجب، ويؤدي رسالة، وينهض بمسؤولية.
والمسؤولية في التربية العقلية تتركز في الأمور التالية:
1 - مسؤولية الواجب التعليمي
لا شك أن هذه المسؤولية بالغة الأهمية والخطورة في ظل الإسلام؛ لأن الإسلام حمل الآباء والمربين مسؤولية كبرى في تعليم الأولاد، وتنشئتهم على الاغتراف من معين الثقافة والعلم، وتركيز أذهانهم على الفهم المستوعب، والمعرفة المجردة، والمحاكمة المتزنة، والإدراك الناضج الصحيح. وبهذا تتفتح المواهب، ويبرز النبوغ، وتنضج العقول، وتظهر العبقرية، ومن المعلوم تاريخيا أن أول آية نزلت على قلب الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه هذه الآيات: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)) [العلق]. وما ذاك إلا تمجيد لحقيقة القراءة والعلم، وإيذان برفع منار الفكر والعقل، وفتح لباب الحضارة على مصراعيه.
2 - مسؤولية التوعية الفكرية
ومن المسؤوليات الكبرى التي جعلها الإسلام أمانة في عنق الآباء والمربين جميعا توعية الولد فكريًا منذ حداثة سنه، ونعومة أظفاره، إلى أن يصل سن الرشد والنضج. والمقصود بالتوعية الفكرية ارتباط الولد بالإسلام دينا ودولة، وبالقرآن العظيم نظاما وتشريعا، وبالتاريخ الإسلامي عزا ومجدا، وبالثقافة الإسلامية العامة روحا وفكرا، وبالارتباط الحركي للدعوة الإسلامية اندفاعا وحماسة.
إذن على المربين أن يُعرّفوا الولد منذ أن يعي ويميز على الحقائق التالية:
- المخططات الصهيونية الماكرة.
- والمخططات الاستعمارية الغاشمة.
- والمخططات الشيوعية الملحدة.
- والمخططات الصليبية الحاقدة.
هذه المخططات التي تستهدف بجملتها محو العقيدة الإسلامية في الأرض، وغرس بذور الإلحاد في الجيل المسلم، وإشاعة الميوعة والانحلال في الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم. والهدف البعيد والقريب من ذلك إخماد روح المقاومة والجهاد في شباب الإسلام، واستغلال ثروات البلاد الإسلامية لمصالحهم الذاتية، ثم بالتالي طمس معالم الإسلام في كل أرجاء المجتمعات التي ينتمي أهلها إلى الإسلام.
3 - الصحة العقلية:
ومن المسؤوليات التي جعلها الله أمانة في عنق الآباء والمربين جميعا الاعتناء بصحة عقول أبنائهم وتلامذتهم، فما عليهم إلا أن يقدروها حق قدرها، ويرعوها حق رعايتها؛ حتى يبقى تفكيرهم سليما، وذاكرتهم قوية، وأذهانهم صافية، وعقولهم ناضجة. ولكن على حدود مسؤولية التربية والمربين في صحة الأولاد العقلية، فالمسؤولية تتركز في تحجيم المفاسد المنتشرة في المجتمع هنا وهناك لما لها من تأثير على العقل والذاكرة والجسم الإنساني بشكل عام.
المقصود بالتربية النفسية تربية الولد منذ أن يعقل على الجرأة والصراحة، والشجاعة، والشعور بالكمال، وحب الخير للآخرين، والانضباط عند الغضب، والتحلي بكل الفضائل النفسية والخلقية على الإطلاق.
والهدف من هذه التربية تكوين شخصية الولد وتكاملها واتزانها حتى يستطيع إذا بلغ سن التكليف أن يقوم بالواجبات المكلف بها على أحسن وجه، وأنبل معنى.
وإذا كان الولد منذ أن يولد أمانة بيد مربيه فالإسلام يأمرهم ويحتم عليهم أن يغرسوا فيه منذ أن يفتح عينيه أصول الصحة النفسية التي تؤهله لأن يكون إنسانا ذا عقل ناضج، وتفكير سليم، وتصرف متزن، وإرادة مستعلية.
وكذلك عليهم أن يحرروا الولد من كل العوامل التي تغض من كرامته واعتباره، وتحطم من كيانه وشخصيته، والتي تجعله ينظر إلى الحياة نظرة حقد وكراهية وتشاؤم.
وأرى أن من أهم العوامل التي يجب على المربين أن يحرروا أولادهم وتلامذتهم منها الظواهر التالية:
1- ظاهرة الخجل.
2- ظاهرة الخوف.
3- ظاهرة الشعور بالنقص.
4- ظاهرة الحسد.
5- ظاهرة الغضب.
والذي نخلص إليه بعدما تقدم أن المربين حين يجنبون أولادهم منذ الصغر دواعي الغضب وأسبابه، وحينما يأخذون بالمنهج النبوي في معالجة الغضب وتسكينه، وحين يقبحون لأطفالهم ظاهرة الغضب تجسيدا وتحذيرا؛ فإن الأولاد لا شك - ينشؤون على الحلم، والأناة، والاتزان العقلي، وضبط النفس، بل يعطون الصورة الصادقة عن أخلاق المسلم، وسلوكه السوي في الحياة.
وحين يحرر المربون أبناءهم وطلابهم، ومن لهم حق التربية عليهم: من ظاهرة الخجل، ومن ظاهرة الخوف، ومن ظاهرة الشعور بالنقص، ومن ظاهرة الحسد، ومن ظاهرة الغضب؛ يكونون قد غرسوا في نفوسهم الأصول النفسية النبيلة التي تتحقق: بالثبات والجرأة الأدبية، وبالشجاعة والإقدام، وبالشعور بالواجب والكمال والمحبة، وبالحلم والأناة، بل يكونون بهذه التخلية والتحلية قد أعدوا أولادا ليكونوا شباب الغد، ورجال المستقبل يواجهون الحياة بابتسامة متفائلة وعزيمة جبارة، وأخلاق سمحة كريمة.