وإذا كان المربون من آباء أو أمهات أو معلمين، مسؤولين عن تربية الأولاد، وعن تكوينهم وإعدادهم للحياة فعليهم أن يعلموا بجلاء ووضوح حدود مسؤوليتهم، ومراحلها المتكاملة، وجوانبها المتعددة. ليستطيعوا أن ينهضوا بمسؤوليتهم على أكمل وجه، وأنبل معنى، وفي السطور القادمة سنتعرف على أهم هذه المسؤوليات
المقصود بالتربية الإيمانية ربط الولد منذ تعقله بأصول الإيمان، وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام، وتعليمه من حين تمييزه مبادئ الشريعة.
ونعني بأصول الإيمان كل ما ثبت عن طريق الخبر الصادق من الحقائق الإيمانية، والأمور الغيبية كالإيمان بالله سبحانه، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب السماوية والإيمان بالرسل جميعا، والإيمان بسؤال الملكين، وعذاب القبر، والبعث، والحساب، والجنة، والنار، وسائر المغيبات.
ونعني بأركان الإسلام كل العبادات البدنية والمالية، وهي: الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج من استطاع إليه سبيلا.
ونعني بمبادئ الشريعة كل ما يتصل بالمنهج الرباني وتعاليم الإسلام من عقيدة، وعبادة، وأخلاق، وتشريع، وأنظمة، وأحكام.
فعلى المربي أن يُنشئ الولد منذ نشأته على هذه المفاهيم من التربية الإيمانية، وعلى هذه الأسس من التعاليم الإسلامية، حتى يرتبط بالإسلام عقيدة وعبادة، ويتصل به منهاجا ونظاما، فلا يعرف بعد هذا التوجيه والتربية سوى الإسلام دينا، وسوى القرآن إماما، وسوى الرسول صلوات الله وسلامه عليه قائدا وقدوة.
وهذا الشمول لمفاهيم التربية الإيمانية مستمد من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم وإرشاداته في تلقين الولد أصول الإيمان، وأركان الإسلام، وأحكام الشريعة.
من الأمور المسلم بها لدى علماء التربية والأخلاق أن الطفل حين يولد يولد على فطرة التوحيد، وعقيدة الإيمان بالله، وعلى أصالة الطهر والبراءة، فإذا تهيأت له التربية المنزلية الواعية، والخلطة الاجتماعية الصالحة، والبيئة التعليمية المؤمنة نشأ الولد لا شك على الإيمان الراسخ والأخلاق الفاضلة، والتربية الصالحة.
وهذه الحقيقة من الفطرة الإنسانية قد قررها القرآن الكريم، وأكدها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأثبتها علماء التربية والأخلاق.
وصفوة القول، إن مسؤولية التربية الإيمانية لدى المربين والآباء والأمهات لهي مسؤولية هامة وخطيرة لكونها منبع الفضائل، ومبعث الكمالات، بل هي الركيزة الأساسية لدخول الولد في حظيرة الإيمان، وقنطرة الإسلام، وبدون هذه التربية لا ينهض الولد بمسؤولية، ولا يتصف بأمانة، ولا يعرف غاية، ولا يعمل لمثل أعلى ولا هدف نبيل، بل يعيش عيشة البهائم ليس له هم سوى أن يسد جوعته، ويشبع غريزته، وينطلق وراء الشهوات والملذات.
نقصد بالتربية الخلقية مجموعة المبادئ الخلقية، والفضائل السلوكية والوجدانية التي يجب أن يتلقنها الطفل ويكتسبها ويعتاد عليها منذ تمييزه وتعقله إلى أن يصبح مكلفا إلى أن يتدرج شابا إلى أن يخوض خضم الحياة.
ومما لا شك فيه، ولا جدال معه أن الفضائل الخلقية والسلوكية والوجدانية هي ثمرة من ثمرات الإيمان الراسخ، والتنشئة الدينية الصحيحة. وحينما تكون التربية للطفل بعيدة عن العقيدة الإسلامية، مجردة من التوجيه الديني والصلة بالله عز وجل فإن الطفل لا شك يترعرع على الفسوق والانحلال، وينشأ على الضلال والإلحاد، بل سيتبع نفسه هواها، ويسير خلف نوازع النفس الأمارة ووساوس الشيطان وفقا لمزاجه وأهوائه وأشواقه الهابطة، فإن كان مزاجه من النوع «الهادئ المسالم» عاش في الحياة غافلا بليدا، حيا كميت، وموجودا كمفقود ، لا يحس أحد بحياته، ولا يترك فراغا بعد موته.
وإن كان يغلب على نفسه الجانب (البهيمي) جرى وراء الشهوات والملذات يقتحم إلى بلوغها كل حرمة، ويسلك من أجلها كل طريق، لا حياء يردعه، ولا ضمير يقمعه، ولا عقل يمنعه.
وإن كان مزاجه من النوع «العصبي» جعل همه العلو في الأرض، والاستكبار على الناس، وإظهار السلطة والتحكم في الرقاب. وإن كان يغلب عليه الجانب (الشيطاني) دبر المكائد، وفرق بين الأحبة، ووضع الألغام ليدمر، وسمم الآبار ليقتل، وعكر المياه ليصطاد.
والذي نخلص إليه بعدما تقدم أن التربية الإيمانية هي التي تعدل المزاج المنحرف، وتقوم المعوج الفاسد، وتصلح النفس الإنسانية وبدونها لا يمكن أن يتحقق إصلاح، ولا أن يتم استقرار، ولا أن يتقوم خلق.
ولهذه الصلة الوثيقة بين الإيمان والأخلاق، والرابطة المتينة بين العقيدة والعمل؛ انتبه علماء التربية والاجتماع في الغرب، وفي كثير من الأمم، فأصدروا توجيهاتهم، وأعلنوا عن آرائهم ووجهات نظرهم بأنه من غير دين لا يتم استقرار، وبغير إيمان بالله لا يتحقق إصلاح ؛ ولا يتقوم خلق.
واعلموا أنكم إن قصرتم في حق أولادكم وتلامذتكم من الناحية الخلقية، فإن من لهم عليكم حق التربية سينشئون لا شك على الميوعة والانحلال ويتربون على الفساد وسوء الخلق، وعندئذ يصبحون خطرا على الأمن والاستقرار، ويكونون أداة هدم تخرب كيان المجتمع بل أبناء المجتمع يستجيرون من أعمالهم الإجرامية، ومفاسدهم الخلقية والاجتماعية.
فراقبوا الله في أولادكم، وأدوا ما عليكم من واجب، وابذلوا ما استطعتم من جهد، واضطلعوا بما حملتم من مسؤولية؛ فإن أديتم الأمانة على الوجه الصحيح فسوف ترون أولادكم رياحين في البيت لها عبق وأريج، وبدورا في المجتمع لها نور وضياء، وملائكة على الأرض يمشون هادين مطمئنين (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:105].