الفصل الثاني: الشعور النفسي نحو الأولاد

 

المقصود بالشعور النفسي، هو إبراز ما أودع الله سبحانه في قلب الأبوين من حب وعاطفة ورحمة نحو أولادهم، والحكمة في ذلك هي استهجان عادات جاهلية بغيضة استحكمت في بعض النفوس المريضة؛ من النظرة السيئة إلى البنات، وإظهار فضيلة المثوبة والأجر لمن يصبر على فقد الولد ويتجلد لفراقه، وغيرها.  وأخيرا ماذا يفعل الأبوان إذا توهما تعارض مصلحة الإسلام مع مصلحة الولد؟

كل هذه المشاعر النفسية، والعواطف القلبية سنجدها في السطور التالية:

  • الأبوان مفطوران على محبة الولد

من المعلوم بداهة أن قلب الأبوين مفطور على محبة الولد، ومتأصل بالمشاعر النفسية، والعواطف الأبوية لحمايته، والرحمة به، والشفقة عليه، والاهتمام بأمره.

  • الرحمة بالأولاد منحة من الله للعباد

ومن المشاعر النبيلة التي أودعها الله - سبحانه وتعالى - في قلبي الأبوين، شعور الرحمة بالأولاد، والرأفة بهم، والعطف عليهم، وهو شعور كريم له في تربية الأولاد وفي إعدادهم وتكوينهم أفضل النتائج وأعظم الآثار. والقلب الذي يتجرد من خلق الرحمة، يتصف صاحبه بالفظاظة العاتية، والغلظة اللئيمة القاسية، ولا يخفى ما في هذه الصفات القبيحة من ردود فعل في انحراف الأولاد، وفي تخبطهم في أوحال الشذوذ، ومستنقعات الجهل والشقاء.

  • كراهية البنات جاهلية بغيضة

الإسلام بدعوته إلى المساواة المطلقة، والعدل الشامل، لم يفرق في المعاملة الرحيمة، والعطف الأبوي، بين رجل وامرأة، والسبب في كره البنات يعود إلى ضعف الإيمان وزعزعة اليقين، لكونهم لم يرضوا بما قسمه الله لهم من إناث.

  • فضيلة من يتجلد لموت الولد

عندما يصل المسلم إلى درجة عالية من الإيمان، ويبلغ منزلة رفيعة من اليقين، ويؤمن حقيقة بالقضاء خيره وشره من الله تعالى؛ تصغر في عينيه الأحداث، وتهون أمامه المصائب، ويستسلم له سبحانه في كل ما ينوب ويروع وتطمئن نفسه، ويستريح ضميره لصبره على البلاء، ورضائه بالقضاء، وخضوعه لمقادير رب العالمين.

فما أجدر أن يتذرع الآباء والأمهات بالإيمان، وأن يتسلحوا باليقين حتى إذا أصابتهم مصيبة لم يجزعوا، وإذا مات لهم ولد لم يتبرموا، وإنما يكون قولهم: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فإن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلنصبر ولنحتسب، حتى نحظى بالأجر والمثوبة عند من له الحكم والأمر.

  • تغليب مصلحة الإسلام على حب الولد

إذا كان قلب الأبوين ينطوي على مثل تلك المشاعر الصادقة من الحب والرحمة والعطف والحنان نحو الأولاد وفلذات الأكباد، فينبغي ألا تطغى هذه المشاعر على مصلحة الجهاد في سبيل الله، وتبليغ دعوة الله في الأرض؛ لأن مصلحة الإسلام فوق كل المصالح والاعتبارات، ولأن إقامة المجتمع الإسلامي غاية المؤمن، وهدفه في الحياة، ولأن هداية الإنسانية التائهة أسمى ما يسعى إليه المسلم وأعظم ما يحرص على نشره وتحقيقه.

  • عقوبة الولد وهجره لمصلحة تربوية

وللإسلام طريقته الخاصة في إصلاح الولد وتربيته، فإن كان ينفع مع الولد الملاطفة بالوعظ فلا يجوز للمرء أن يلجأ إلى الهجر؛ وإن كان ينفع الهجر أو الزجر فلا يجوز له أن يلجأ إلى الضرب، وإذا عجز عن جميع الوسائل الإصلاحية ملاطفة ووعظا وزجرا وهجرا، فلا بأس بعد هذا أن يلجأ إلى الضرب غير المبرح، عسى أن يجد المربي في هذه الوسيلة إصلاحا لنفسه، وتقويما لسلوكه واعوجاجه.

 

فهذا الذي بيناه في هذا الفصل هو أهم المشاعر النفسية والعواطف القلبية التي يجب أن تعتلج في نفوس المربين، ولقد رأيت أن من هذه المشاعر ما هو فطري متأصل في قلبي الأبوين، وفي نفسيهما كمشاعر الحب والحنان والعطف والرحمة، ولولاها لما انتظمت سنة الكون في المحافظة على النوع الإنساني، ولولاها لما اندفع الأبوان إلى الاهتمام بأولادهم والعناية بهم، والإنفاق عليهم، والقيام بتعليمهم وتربيتهم، ولولاها لما رأيت الأسرة مجتمعة الشمل، متماسكة الكيان، راسخة البنيان.

 

 


تربية الأولاد في الإسلام - الجزء الأول
تربية الأولاد في الإسلام - الجزء الأول
عبد الله ناصح علوان
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00