يقول المؤلف: قبل أن أشرع في بيان الأسس التي وضعها الإسلام في تربية الأولاد، يحسن أن أتعرض ولو باختصار للزواج من نواح ثلاثة:
أولا: الزواج فطرة إنسانية:
من الأمور البديهية في مبادئ الشريعة الإسلامية أن الشريعة حاربت الرهبانية لكونها تتصادم مع فطرة الإنسان، وتتعارض مع ميوله وأشواقه وغرائزه، ويتبين لكل ذي عقل وبصيرة أن الزواج في الإسلام فطرة إنسانية، ليحمل المسلم في نفسه أمانة المسؤولية الكبرى تجاه من له في عنقه حق التربية والرعاية، وحينها يلبي نداء هذه الفطرة، ويستجيب لأشواق هذه الغريزة، ويُساير سنن هذه الحياة.
ثانيا: الزواج مصلحة اجتماعية:
من المعلوم أن للزواج في الإسلام فوائد عامة، ومصالح اجتماعية، منها:
1. المحافظة على النوع الإنساني:
فبالزواج يستمر بقاء النسل الإنساني، ويتكاثر، ويتسلسل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
2. المحافظة على الأنساب:
وبالزواج الذي شرعه الله لعباده يفتخر الأبناء بانتسابهم إلى آبائهم، ولو لم يكن ذلك الزواج الذي شرعه الله لعجّ المجتمع بأولاد لا كرامة لهم ولا أنساب؛ وفي ذلك طعنة نجلاء للأخلاق الفاضلة، وانتشار مريع للفساد والإباحية.
3. سلامة المجتمع من الانحطاط الخلقي:
وبالزواج يسلم المجتمع من الانحلال الخلقي، ولا يخفى على كل ذي إدراك وفهم أن غريزة الميل إلى الجنس الآخر حين تشبع بالزواج المشروع، والاتصال الحلال، تتحلى الأمة بأفضل الآداب.
4. سلامة المجتمع من الأمراض:
وبالزواج يسلم المجتمع من الأمراض السارية الفتاكة التي تنتشر بين أبناء المجتمع نتيجة للزنى، وشيوع الفاحشة، والاتصال الحرام.
5. السكن الروحاني والنفساني:
وبالزواج تنمو روح المودة والرحمة والألفة بين الزوجين، ولا يخفى ما في هذا السكن النفسي والروحي من حافز على تربية الأولاد، والاعتناء بهم، والرعاية لهم.
6. تعاون الزوجين في بناء الأسرة وتربية الأولاد:
وبالزواج يتعاون الزوجان على بناء الأسرة وتحمل المسؤولية، فكل منهما يُكمل عمل الآخر.
7. تأجج عاطفة الأبوة والأمومة:
وبالزواج تتأجج في نفس الأبوين العواطف، وتفيض من قلبيهما ينابيع الأحاسيس والمشاعر النبيلة.
ثالثا: الزواج انتقاء واختيار:
الإسلام بتشريعه السامي، ونظامه الشامل قد وضع أمام كل من الخاطب والمخطوبة قواعد وأحكاما، إن اهتدى الناس بهديها ومشوا على نهجها، كان الزواج في غاية التفاهم والمحبة والوفاق، وكانت الأسرة المكونة من البنين والبنات في ذروة الإيمان المكين، والجسم السليم، والخلق القويم، والعقل الناضج، والنفسية المطمئنة الصافية.
وإليكم أهم هذه القواعد والأحكام:
نقصد بالدين الفهم الحقيقي للإسلام، والتطبيق العملي السلوكي لكل فضائله السامية، وآدابه الرفيعة، ونقصد كذلك الالتزام الكامل بمناهج الشريعة ومبادئها الخالدة على مدى الزمان والأيام، فعندما يكون الخاطب أو المخطوبة على هذا المستوى من الفهم والتطبيق والالتزام يمكن أن نطلق على أحدهما أنه ذو دين وذو خلق؛ وعندما يكون الواحد منهما على غير هذا المستوى من الفهم والتطبيق والالتزام، فمن البديهي أن نحكم عليه بانحراف السلوك، وفساد الخلق، والبعد عن الإسلام.
ولقد نوه النّبي صلّى الله عليه وسلم بأن الناس معادن وأنهم يتفاوتون في الوضاعة والشرف، والخير والشر، لهذا حض النّبي كل راغب في الزواج على أن يكون الانتقاء على أساس الأصالة والشرف والصلاح. فما على راغبي الزواج إلا أن يحسنوا الاختيار، ويحكموا في رفيق الحياة الانتقاء، إن أرادوا أن تكون لهم ذرية صالحة، وسلالة طاهرة، وأبناء مؤمنون.
ومن توجيهات الإسلام الحكيمة في اختيار الزوجة تفضيل المرأة الأجنبية على النساء ذوات النسب والقرابة، حرصا على نجابة الولد، وضمانا لسلامة جسمه من الأمراض السارية، والعاهات الوراثية، وتوسيعا لدائرة التعارف الأسرية، وتمتينا للروابط الاجتماعية٠
ولقد أثبت علم الوراثة كذلك أن الزواج بالقرابة يجعل النسل ضعيفا من ناحية الجسم، ومن ناحية الذكاء، ويورث الأولاد صفات خلقية ذميمة، وعادات اجتماعية مستهجنة.
ومن توجيهات الإسلام الرشيدة في اختيار الزوجة تفضيل المرأة البكر على المرأة الثيب التي سبق لها الزواج، لحكم بالغة، وفوائد عظيمة. فمن هذه الفوائد: حماية الأسرة مما ينغص عيشها، ويوقعها في حبائل الخصومات، وينشر في أجوائها ضباب المشكلات والعداوات، وفي اختيار الأبكار في الوقت نفسه تمتين لأواصر المحبة الزوجية، لكون البكر مجبولة على الأنس والألفة بأول إنسان تكون في عصمته، وتلتقي معه، وتتعرف عليه بعكس المرأة الثيب فقد لا تجد في الزوج الثاني الألفة التامة، والمحبة المتبادلة، والتعلق القلبي الصادق للفرق الكبير بين أخلاق الأول، ومعاملة الثاني.
ومن توجيهات الإسلام في اختيار الزوجة انتقاء المرأة الولود؛ وتعرف بشيئين:
الأول: سلامة جسمها من الأمراض التي تمنع من الحمل، ويستعان على معرفة ذلك بالمختصين، والثاني: النظر في حال أمها، وحال أخواتها المتزوجات، فإن كن من الصنف الولود، فهي في الغالب كذلك.
تلك هي أهم مبادئ الزواج، وأهم ارتباطاته بقضايا التربية؛ فالإسلام يعالج تربية الأفراد من تكوين الخلية الأولى للأسرة، وهو يعالجها بالزواج لكونه يلبي حاجة الفطرة ويساير أشواق الحياة، ولكونه يلحق نسب الأبناء بآبائهم، ويحرر المجتمع من الأمراض الفتاكة، والانحلال الخلقي، ويحقق التعاون الكامل بين الزوجين في تربية الأولاد، ويؤجج عاطفة الأبوة والأمومة في نفسيهما.
إذن فتربية الأولاد في الإسلام يجب أن تبدأ بزواج مثالي يقوم على مبادئ ثابتة لها في التربية أثر، وفي إعداد الجيل تكوين وبناء.