الفصل الثاني: القواعد الأساسية في تربية الولد
والقواعد الأساسية في تربية الولد تتركز على قاعدتين:
1- قاعدة الربط
من المؤكد يقيناً أن الولد إذا ارتبط وهو في سن الوعي والتمييز بروابط اعتقادية، وروابط روحية، وروابط فكرية، وروابط تاريخية، وروابط اجتماعية، وروابط رياضية، يصبح عنده من مناعة الإيمان، وبرد اليقين، وحصانة التقوى، ما يجعله أن يستعلي على الجاهلية، ويهزأ بها.
لأن الولد ارتبط بالإسلام عقيدة، وارتبط به عبادة، وارتبط به خلقاً، وارتبط به نظاماً وتشريعاً، وارتبط به عملاً وتطبيقاً، وارتبط به جهاداً ودعوة، وارتبط به ديناً ودولة، وارتبط به مصحفاً وسيفاً، وارتبط به فكرةً وثقافةً.
وإليك أخي المربي أهم هذه الروابط التي تحقق الخير كل الخير لولدك، فاحرص على تنفيذها:
- الربط الاعتقادي: اعلم أنك إذا عمقت في ولدك حقيقة الإيمان بالله، ورسخت في قلبه وتصوره هذه المعالم الإيمانية، وسعيت جهدك دائماً في أن تربطه بالعقيدة الإلهية، فإن ولدك ينشأ على المراقبة لله، والخشية منه والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروع، والتزام منهجه.
- الربط الروحي: أقصد بالربط الروحي أن تتصف روح الولد بالصفاء والإشراق، وأن تفجر قلبه بالإيمان والإخلاص، وأن تسمو نفسه في أجواء الطهر والروحانية.
وللإسلام منهجه في ربط المسلم بارتباطات روحية متنوعة، ليظل دائماً محافظاً على صفائه وإشراقه، وطهره وإخلاصه، وهذا المنهج هو:
- ربط الولد بالعبادة.
- ربط الولد بالقرآن الكريم.
- ربط الولد ببيوت الله.
- ربط الولد بذكر الله عز وجل
- ربط الولد بالنوافل.
- ربط الولد بمراقبة الله تعالى.
- الربط الفكري: والمقصود بالربط الفكري هو ارتباط المسلم منذ أن يعقل ويميز إلى أن يترعرع يافعاً وإلى أن يصبح شاباً وإلى أن يدرج رجلاً بنظام الإسلام ديناً ودولة، وبتعاليم القرآن دستوراً وتشريعاً، وبالعلوم الشرعية منهاجاً وأحكاماً، وبالتاريخ الإسلامي روحاُ وقدوة، وبالثقافة الإسلامية مدنية وحضارة، وبمنهجية الدعوة الإسلامية اندفاعاً وحماساً.
- الربط الاجتماعي: المقصود بربط الولد اجتماعياً هو أن يسعى المربي جهده في ربط ولده منذ أن يتفهم حقائق الأشياء ببيئة اجتماعية نظيفة صالحة، يكتسب منها التزكية لنفسه، والطهر لقلبه، والتثبيت لإيمانه، والعلم النافع لعقله، والأخلاق الفاضلة لسلوكه، والقوة الصحية لجسمه، والتوعية الإسلامية لفكره، والجهاد الصادق لدعوته، والإشراق الرباني لروحه، والاندفاع الإيماني لدينه.
ولكن ما هي هذه البيئة الاجتماعية الصالحة التي تكسب الولد هذه الصفات الكريمة، وتجعل منه هذا الإنسان المثالي الواعي الصالح؟
أرى أنها متحققة في ارتباطات ثلاثة:
1- ربط الولد بالمرشد المربي.
2 - ربط الولد بالصحبة الصالحة.
3-ربط الولد بالدعوة وبالداعية.
- الربط الرياضي: من أهم الوسائل النافعة التي وضعها الإسلام في تربية أفراد المجتمع جسمياً، وتكوينهم صحياً هو إملاء فراغهم بأعمال جهادية، وتدريبات عسكرية، وتمرينات رياضية، كلما سنحت لذلك فرص، أو تهيأت ظروف.
ذلك لأن الإسلام بمبادئه السمحة، وتعاليمه السامية، جمع في آن واحد بين الجد واللهو البريء، ووفق بين مطالب الروح، وحاجات الجسم، واعتنى بتربية الأجسام وإصلاح النفوس على حد سواء.
والولد من حين أن يعقل هو أولى بالعناية بهذا الإعداد الصحي والتكوين الجسماني، بل هو أولى بإملاء الفراغ في كل ما يعود على جسمه بالصحة، وعلى أعضائه بالقوة، وعلى سائر بدنه بالحيوية والنشاط ذلك لثلاثة أسباب:
الأول: للفراغ الكثير المتيسر له ٠
الثاني: لوقايته من الأمراض والأسقام.
الثالث: لتعويده منذ الصغر على تمارين الرياضة وأعمال الجهاد.
2- قاعدة التحذير
وقبل أن أخوض في الكلام عن أهم التحذيرات التي يجب أن يتلقنها الولد، يجدر بك أخي المربي أن تفهم هاتين الحقيقتين:
الأولى: التحذير الدائم للولد يؤصل في قلبه كراهية الشر والفساد، ويورث في نفسه النفور من ظواهر الزيغ والانحلال.
الثانية: التعرية لظواهر الزيغ والإلحاد والانحلال تزيد المربي عزماً وتصميماً في تحمل المسؤولية، والولد توجيهاً وتعليماً في البعد عن الشر والتخلي عن الباطل.
وإليك أخي المربي أهم هذه التحذيرات:
- التحذير من الردة وهو ترك المسلم دينه الذي ارتضاه الله له واعتناق دين آخر أو عقيدة أخرى تناقض شريعة الإسلام.
- التحذير من الإلحاد، والمقصود بالإلحاد التنكر للذات الإلهية، وجحود الشرائع السماوية التي جاء بها الرسل _صلوات الله وسلامه عليهم_، والاستهتار بكل الفضائل والقيم المنسوبة إلى وحي السماء، والإلحاد هو نوع من الردة، بل هو أنكى وأشد منها.
- التحذير من اللهو المحرم، فالإسلام بتشريعه السامي، ومبادئه الحكيمة حرم على المسلمين أصنافاً من اللهو مثل النرد والقمار والميسر، وألوان أخرى من الترفيه، لضررها البالغ على أخلاق الأفراد واقتصاد المجتمع، وكيان الدولة، وكرامة الأمة الإسلامية وتماسك الأسرة.
- التحذير من التقليد الأعمى، فمن أهم الأمور التي ينبغي أن يهتم بها المربون تحذير الولد من الانسياق وراء التقليد الأعمى بلا روية ولا تفكير، وتوعيته من الانزلاق وراء التشبه بلا تبصرة ولا هدى.
- التحذير من رفقة السوء وهي الصحبة الفاسدة.
- التحذير من مفاسد الأخلاق، فاحرص أخي المربي أن تؤدي مسؤوليتك نحو ولدك على الوجه الأكمل ليكون دائماً من الصالحين الأخيار، والمتقين الأبرار، ومن النماذج الصالحة المؤمنة التي يشار إليها بالبنان.
- التحذير من الحرام ومن أهم الأمور التحذيرية التي يجب أن يهتم المربون لها، ويعتنون بها، ويركزون عليها التحذير من الحرام، والحرام كما عرفه علم الأصول، هو ما طلب الشرع تركه طلباً جازماً بحيث يتعرض من خالف الترك لعقوبة الله في الآخرة، أو لعقوبة شرعية في الدنيا كقتل النفس، واقتراف الزنى، وشرب الخمر، واللعب بالميسر، وأكل مال اليتيم، وبخس المكيال والميزان.
إذاً على المربي أن يوازن ما بين الربط والتحذير، وأن يجمع ما بين الإيجابية والسلبية وأن يكون مع الولد في جميع حركاته وسكناته حتى إذا رأى منه انحراف عن الجادة رده إليها، وإذا وجد زيغ في العقيدة بصره بنور الحق، وأضاء قلبه بإشراقة الإيمان، وإذا استشعر فساداً في الخلق حذره من مغبة النتائج، وربطه بالرباط الأمتن، ووجهه التوجيه الاقوم.
وعلى هذه الأسس فليمض المربون، وعلى تلك القواعد فليعمل العاملون.