المقصود بالتربية بالملاحظة هي ملاحقة الولد وملازمته في التكوين العقيدي، والأخلاقي ومراقبته وملاحظته في الإعداد النفسي والاجتماعي، والسؤال المستمر عن وضعه وحاله في تربيته الجسمية وتحصيله العلمي.
ولا شك في أن هذه التربية تعد من أقوى الأسس في إيجاد الإنسان المتوازن المتكامل الذي يعط كل ذي حق حقه في الحياة، والذي تدفعه كرامته إلى أن ينهض بمسؤولياته، ويضطلع بواجباته على أكمل وجه وأنبل معنى، والذي تجعل منه مسلماً حقيقياً يكون الحجر الأساس لبناء القاعدة الإسلامية الصلبة التي بها يتحقق عز الإسلام، وبالاعتماد عليها تقوم الدولة الإسلامية قوية عتيدة، تضاهي أمم بحضارتها ومكانتها وكيانها.
والإسلام بمبادئه الشاملة وأنظمته الخالدة حض الآباء والأمهات والمربين جميعاً إلى أن يهتموا بملازمة أولادهم ومراقبة أفلاذ أكبادهم في كل ناحية من نواحي الحياة، وفي كل جانب من جوانب التربية الشاملة، فإذا وجد منكرا نهاه عنه، وإذا فعل معروفا شكر له به.
ومن الأمور التي لا يختلف فيها اثنان أن ملاحظة الولد ومراقبته لدي المربي هي من أفضل أسس التربية وأظهرها، ذلك لأن الولد دائماً موضوع تحت مجهر الملاحظة والملازمة، حيث المربي يرصد عليه جميع تحركاته وأقواله وأفعاله واتجاهاته، فإن رأى خيراً أكرمه وشجعه عليه؛ وإن رأى منه شراً نهاه عنه، وحذره منه، وبين له عواقبه الوخيمة، ونتائجه الخطيرة، وبمجرد أن يغفل المربي أو تغافل عن الولد، فإنه سينزغ لا محالة إلى الانحراف.
ومعلمنا الأول وهادينا الأكرم _عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم_ كان يعطي لأمته القدوة الصالحة في حسن رعايته لأصحابه، وتفقده لهم، وسؤاله عنهم، ومراقبة أحوالهم، ومحاذرة مقصريهم، وتشجيع محسنيهم والعطف على فقرائهم ومساكينهم، وتأديب الصغار منهم، وتعليم الجهلة فيهم.
وسيرته عليه الصلاة والسلام حافلة بنماذج من ملاحظاته وتفقداته في التربية الاجتماعية، وملاحظاته في التحذير من الحرام، وملاحظاته في تأديب الصغار وإرشاد الكبار، وملاحظاته في التربية الخلقية، وملاحظاته في التربية النفسية والتربية الجسمية، وأيضاً ملاحظاته في التربية الدعوية وأخذ الناس بالرفق
وباستطلاع سيرته_صلى الله عليه وسلم_ في مراقبة أبناء المجتمع الذي كان يقوم على هدايته وإصلاحه، نرى نموذجا واقعيا في تربية الناس، ومعالجة أمورهم، وإصلاح أحوالهم "والرفع من مستواهم"، وكيف يكون ذلك في إطار من الحب والود والرعاية.