إن أحكام الشريعة الإسلامية بعدلها القويم، ومبادئها الشاملة تدور حول صيانة الضرورات الأساسية التي لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها، ويعيش بدونها وقد حصرها أئمة الاجتهاد، وعلماء أصول الفقه بخمسة أمور وأسموها (الضروريات الخمس)، أو الكليات الخمس وهي: «حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العرض، وحفظ العقل، وحفظ المال».
وقالوا: إن كل ما جاء في نظام الإسلام من أحكام ومبادئ وتشريعات ترمي إلى صيانة هذه الكليات وتهدف إلى رعايتها وحفظها. ووضعت الشريعة في سبيل المحافظة على هذه الكليات عقوبات زاجرة وأليمة لكل من يتعدى عليها وينتهك حرمتها. وهذه العقوبات تعرف في الشريعة باسم الحدود، وباسم التعزيرات.
أما الحدود، فإنها عقوبات مقدرة بتقدير الشرع تجب حقاً لله تعالى، وهي حد الارتداد، حد قتل النفس، حد الزنى، حد القذف، حد السرقة، حد الفساد في الأرض، حد شرب الخمر.
أما التعزيرات: فهي عقوبات غير مقدرة تجب حقاً لله أو لآدمي في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة، كالحدود في الزجر والتأديب الاستصلاحي للأمة.
وإذا كانت العقوبة التعزيرية غير مقدرة، فللحاكم أن يفرض العقوبة التي يراها مناسبة، فقد تكون توبيخاً، وقد تكون ضرباً، وقد تكون حبساً، وقد تكون مصادرة، على ألا تبلغ حداً من الحدود.
ومما لا يختلف فيه اثنان أن الإسلام شرع هذه العقوبات من الحدود والتعزيرات لأجل تحقيق حياة هادئة راقية عامرة بالأمن والاستقرار، فلا يعتدي ظالم على مظلوم ولا يستبد قوي على ضعيف، ولا يتحكم غني بفقير.
والعقوبة مهما كانت سواء أكانت عقوبة قصاص أو عقوبة تعزير، فهي العلاج الحاسم الحازم لمعالجة الشعوب، وإصلاح الأمم، وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار في ربوع الإنسانية جمعاء.
والأمة التي تعيش بلا عقوبة لمجرميها، فهي أمة منحلة متفككة الكيان، متقطعة الروابط والأوصال، تعيش في فوضى اجتماعية دائمة، وفي تخبط من الإجرام مستمر.
فالله سبحانه حين سن لعباده قانون العقوبات هو أعلم بما سن لهم، فلولا يعلم أن العقوبة تحقق للفرد الأمن، وللمجتمع الاستقرار لما شرع لهم هذه الحدود، ولما وضع في تشريعه الخالد هذه العقوبات الزاجرة وما هي في الحقيقة إلا علاج ناجح، وبلسم شاف لتطهير المجتمع من إجرام المفسدين، ومن غدر الخائنين، ومن ظلم المستبدين!!
وفي تطبيقات الخلفاء لقانون العقوبات الإسلامية عبر العصور أكبر شاهد على انحسار الجرائم الاجتماعية عن المجتمع الإسلامي، ونادر جداً أن تسمع عن حادثة قتل، أو وقوع سرقة، أو انتهاك عرض، أو تجرع خمر، أو الدعوة الصريحة السافرة إلى عقيدة باطنية أو مبدأ هدام، لماذا؟
لأن عين الدولة ساهرة، والحدود الشرعية مطبقة، والتعاون على إزالة المنكر قائم، والأخذ على يد المفسدين متحقق.
بل كان القاضي في هذه العصور — ولا سيما عصر الراشدين — يجلس على منصة القضاء سنتان ولم يحتكم إليه اثنان، لأن المجرم الذي يريد أن يرتكب الجريمة إذا لم يكن عنده من الإيمان الذي يردعه، والخشية من الله التي تزجر، فإنه كان يحسب ألف حساب للعقوبة الزاجرة التي فرضها الإسلام.
فكان يكف عن القتل لعلمه أنه سيقتل، ويكف عن السرقة لعلمه أنه سيقطع، ويكف عن الفاحشة لعلمه أنه سيرجم أو يجلد، ويكف عن الدعوة إلى الإلحاد وعقائد الكفر لعلمه أنه سيبتر ويعدم. هكذا يكف عن جميع الجرائم الاجتماعية لما يحتسبه من عقوبة رادعة، وأخذ بالذنب كبير.
أما العقوبات التي ينتهجها المربون في البيت أو المدرسة فإنها تختلف كماً وكيفية وطريقة عن عقوبات عامة للناس.
وإليك — أخي المربي — الطريقة التي انتهجها الإسلام في عقوبة الولد:
1- معاملة الولد باللين والرحمة هي الأصل.
2- مراعاة طبيعة الطفل المخطئ في استعمال العقوبة.
3- التدرج في المعالجة من الأخف إلى الأشد.
فانطلاقاً من هذه الطرق والأساليب التي خط معالمها المعلم الأول _عليه الصلاة والسلام_ يستطيع المربي أن يختار منها ما يلائم تأديب الولد، وما يعالج انحرافه.
وقد تكفي المعالجة في بعض الأحيان موعظة بليغة، أو نظرة خاطفة، أو ملاطفة رقيقة، أو إشارة عابرة، أو كلمة زاجرة.
وبالتربية بالعقوبة ينزجر الولد، ويكف عن أسوأ الأخلاق، وأقبح الصفات، ويكون عنده من الحساسية والشعور ما يردعه عن الاسترسال في الشهوات، وارتكاب المحرمات واقتراف الموبقات، وبدونها يتأذى الولد في الفاحشة، ويتوغل في حمأة الإجرام، ويتقلب في متاهات المفاسد والمنكرات.