الفصلُ السابعُ

الغيبيَّاتُ العلمانيَّةُ وموضوعاتٌ أخرى

النَّبِيُّ والنُّبُوَّة: لعلَّ تماثل بنية الصهيونيَّة  مع بنية الأساطير اليهوديَّة القديمة يظهر في موقف الصهاينة من فكرة النُّبُوَّة، فالوحي ليس مقصورًا على نبيٍّ أو رسول واحد، فنجده ينتقل من نبيٍّ إلى نبيٍّ، وعلى هذا فإنَّ تقاليد النُّبُوَّة متاحة لكلِّ فرد في كلِّ زمان ومكان، على عكس الإسلام الذي أنزل على خاتم المرسلين.

التاريخ: يري اليهود أنَّ تاريخهم تاريخٌ مقدَّسٌ، يعبِّر عن الإرادة الربَّانيَّة وليس على المحاولة والخطأ الإنسانيَّين، والأمَّة اليهوديَّة لم تأتِ للوجود من خلال تطوُّرٍ تاريخيٍّ وإنَّما ظهرت من خلال تدخُّلٍ إلهيٍّ مباشر، ويميِّز الصهاينةُ بين ثلاثة استخدامات مختلفة لكلمة تاريخ؛ التاريخ المقدَّس والذي يمكن أن نطلقه على القصص الدينية التي جاء ذكرها في العهد القديم، وتاريخ العبرانيِّين أو الإسرائيليِّين هو التاريخ الواقعيُّ أو الإنسانيُّ وليس المقدَّس، وتواريخ الأقليَّات اليهوديَّة.

الأرض: إذا كان التاريخ اليهوديّ هو حجر الزاوية في تاريخ العالم فالأرض المقدَّسة هي مركز الدنيا والتاريخ اليهوديُّ ذاته في نظر الصهيونيَّة ما هو إلَّا تعبيرٌ عن الارتباط بالأرض.

استمرار إسرائيل والقياس التاريخيّ الزائف: تترجم أسطورة الاستمرار بما يمكن تسميته بقياس التاريخ الزائف، الذي يفترض أنَّ الظواهر المحيطة بيهود اليوم تشبه في كثير من الوجوه، الظواهر التي واجهها اليهود في ماضيهم السحيق، ولعلَّ من أطرف الأمثلة على هذا ما صرَّح به أستاذ التاريخ بالجامعة العبريَّة من أنَّ جنود إسرائيل عام ألفٍ وتِسعِمِئة وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (١٩٦٧م) قد رأوا البحر الأحمر لأوَّل مرَّةٍ بعد أن عبره موسى منذ آلاف السنين.

 جيتويَّة الصهيونيَّة : أثرُ الجيتو على رؤية الصهاينة وسلوكهم: تُشبِه نظرة الصهاينة للعالم الخارجيّ نظرة يهود الجيتو للأغيار؛ فهي نظرة شكٍّ عميقةٌ، ويشبه الدور الذي تلعبه الدولة الصهيونيَّة في الشرق الأوسط دورَ الجيتو واليهود في مجتمعات أوروبا، ومن الآثار العميقة للجيتو على الوجدان الصهيونيّ تصوُّر الصهيونيَّة أنَّ كلَّ شيء يباع ويشتري بما في ذلك الوطن.

العنف: يظهر تقديس الصهاينة للعنف في إعادتهم كتابة التاريخ اليهوديّ مؤكِّدين جوانب العنف فيه، فصوَّروا الأمَّة اليهوديَّة في نشأتها على أنَّها جماعة محاربة من الرعاة الغزاة. وهنا يصبح العنف هو الأداة التي يتوسَّل بها الصهاينة لإعادة صياغة الشخصيَّة اليهوديَّة.

 ولكنْ يوجد في اليهوديَّة أيضًا تيَّارٌ آخر سلميٌّ لأقصى حدٍّ، وبالتالي يمكن أن نتحدَّث عن نزعتين كامنتين في اليهوديَّة: واحدة تتَّجه نحو العنف والأخرى تميل نحو السِّلم، وقد حاولت الصهيونيَّة أن تستفيد من تيَّار العنف استفادتها من التيَّار القوميّ.


الأيدلوجية الصهيونية - الجزء الأول
الأيدلوجية الصهيونية - الجزء الأول
عبد الوهاب المسيري
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00