الأيدلوجية الصهيونية - الجزء الأول

الفصل الثالث

الرِّدَّةُ أو هزيمةُ العقل اليهوديِّ

أسباب الردَّة:

لم يكن أمام اليهود سوى أمرين؛ إمَّا الذوبان الكامل عن طريق الاندماج، أو الفناء الكامل عن طريق المذابح من جهةٍ، أو البقاء على الانفصال اليهوديِّ من جهةٍ أخرى، وعلى هذا تصبح حركة الانعتاق مهما بلغت من نجاح حركةً فاشلة، وأصبح الحلُّ الوحيد للمسألة اليهوديَّة هو الهجرة.

الأسباب التي أدَّت إلى فشل محاولاتِ دمج اليهود:

• تركَّزت المسألة اليهوديَّة في دول شرق أوروبا ووسطها، وهي بلاد أساسًا كانت تقود تحوُّلاتٍ اجتماعيّةً عميقةً، فوجد اليهود أنفسهم في وسط مجتمع جديد يُعِدُّهم خلفاء للقديم ومن مخلَّفاته.
• القوميَّات التي ظهرت في فرنسا وإنجلترا والولايات المتَّحدة نشأت نتيجةَ تطوُّرٍ تاريخيٍّ طبيعيٍّ أمَّا بالنسبة إلى القوميَّات السلافيَّة والألمانيَّة فالأمر كان مختلفًا؛ لأنَّها قوميَّات نشأ فكرها من مجتمعات متخلِّفة ولم تكن برجوازيَّة.
• وقد تركَّزت المسألة اليهوديَّة في دول شرق أوروبا ووسطها، وفي دول كانت تحكمها حكومات مطلقة، متخلِّفة، وملتصقة بالكنيسة وتسيطر عليها المصالح الإقطاعيَّة.
• ولم تكن عمليَّة الدمج والتحديث تتمُّ عن طريق الإقناع أو عن طريق إظهار النتائج الإيجابيَّة والمكاسب التي كانت تحرزها وإنَّما كانت تتمُّ عن طريق الإرهاب والقسر بالعصا الغليظة.
• وقد كان معدَّل النموِّ الاقتصاديّ والحضاريّ في المجتمعات الأوروبيَّة الشرقيَّة سريعًا، وهي مجتمعاتٌ لم تكن تمارس عمليَّة النموِّ على النمط الأوروبيّ الغربيّ البطيء، وإنَّما على نمطِ العالم الثالث، فكانت المراحل الأولى للانتقال إلى الرأسماليَّة بطيئة ولم تكن حركةً شاملة.
• وقد تسببَّت زيادة عدد اليهود في الانفجار السكانيِّ بسبب ارتفاع نسبة الإنجاب بينهم.

الأسباب التي أدت إلى تفاقم المسألة اليهوديَّة في روسيا:

• لم يكن في روسيا جالياتٌ يهوديَّةٌ تُذكر، و تكن مؤسَّسات الحكومة الروسيَّة مؤسَّساتٍ حديثةً قادرةً على مساعدة الأقليَّات على الانتقال من مرحلة تاريخيَّة إلى أخرى.
• وقد ارتطمت محاولة تحويل اليهود إلى مزارعين بحركة انعطاف أخرى هي حركة تحرير الأقنان التي ضيَّقت الرقعة الزراعيَّة التي يمكن توطين اليهود فيها.
• أمَّا اندلاع الثورة البلشفيَّة فإنَّه قد عقَّد الأمرَ على أعضاء الأقليَّات.
• إطلاق الحركة المعادية للتنوير كردِّ فعل لتبسيط الفكر العقلانيّ هو نتيجة لبعض التغيُّرات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة العميقة التي تراءت على أوروبا، وتأثَّرت الصهيونيَّة بعمق فكر الحركة المعادية للتنوير.