يتناول حدَّي الحقيقة والمجاز، أو الفرق بين الحقيقة والمجاز، وذكر أنَّ هناك فرقًا بين ما إذا كانت الحقيقة كلمة مفردة، أو جملة، وكذلك المجاز، فكلُّ كلمة أريد بها ما وقعتْ له في وَضع واضع، وقوعًا لا تستند فيه إلى غيره فهي حقيقة.
وإن أردت أن تمتحن هذا الحدَّ، قولك الأسد، تريد به السَّبُعَ، فإنَّك تراه يؤدِّي جميعَ شرائطه، لأنَّك قد أردت به ما تَعلم أنّه وقع له في وضع واضع اللغة، وكذلك تعلم أنَّه غير مستند في هذا الوقوع إلى شيء غير السَّبُعِ، أي: لا يحتاج أن يُتصوَّر له أصلٌ أدّاه إلى السبع من أجل التباسِ بينهما وملاحظة.
وتناول الجرجانيُّ بعد ذلك المجاز العقليّ والمجاز اللغويّ، والفرق بينهما، وأوضح ذلك بالأمثلة، فمثلًا:
وهو يبدأ بتعريف المجاز الذي جاء على وزن (مَفْعَلٌ) من جازَ الشيءَ يَجُوزه، إذا تعدَّاه، وإذا عُدل باللفظ عمَّا يوجبه أصل اللغة، وُصف بأنَّه مجاز، على معنى أنَّهم جازوا به موضعَه الأصليَّ، أو جاز هو مكانه الذي وُضع فيه أوَّلًا.
فحقيقة المجاز تأتي من خلال وصف الشيخ عبد القاهر للاسم الذي يقع لما تقول إنَّه مجاز فيه، بسببٍ بينه وبين الذي تجعله حقيقةً فيه، نحو أنَّ اليد تقع للنعمة، وأصلها الجارحة، لأجل أنَّ الاعتبارات اللغويَّة تتبع أحوال المخلوقين وعاداتهم، ومن شأن النعمة أن تصدُر عن اليد... وكذلك الحكم إذا أريد باليد القوّة والقدرة؛ لأنَّ للقدرة أثرًا ما يظهر سُلطانها في اليد، وبها يكون البطش والأَخذُ والدفعُ والمنعُ والجذبُ والضربُ والقطعُ.
ومن أمثلة المجاز قولهم: "رعينا الغيثَ"، يريدون النبتَ الذي الغيث سببٌ في كونه، وقالوا: "أصابنا السماء"، يريدون المطر، وقالوا: " تَلُفُّهُ الأَرْوَاحُ والسُمِيُّ " وذلك أنَّ في هذا كلِّه تأوُّلًا، وهو الذي أفضى بالاسم إلى ما ليس بأصل؛ فالغيث لمَّا كان النبت يكون عنه، صار كأنَّه هو والمطر لما كان ينزل من السماء، عبَّروا عنه باسمها.
وذكر أنَّ المجاز على ضربين:
فإذا وصفنا بالمجاز الكلمة المُفردة قلنا: اليد مجاز في النعمة والأسد مجازٌ في الإنسان.
لكن إذا وصفنا بالمجاز الجملةَ من الكلام، كان مجازًا من طريق المعقول دون اللغة، وذلك أنَّ الأوصاف اللَّاحقة للجُمل من حيث هي جُمَل، لا يصحُّ رَدُّها إلى اللغة، ولا وجهَ لنسبتها إلى واضعها.