وأمَّا عن موضوع الأخذ والسرقة الأدبيَّة فقد أوضح أنَّ الُحكْم على الشاعر بأنَّه أخذ من غيره وسَرَق، لا يخلو من أن يكون في المعنى صريحًا، أو في صيغة تتعلَّق بالعبارة.
أمَّا عن الاتِّفاق في الأخذ والسرقة، فقد ذكر أنَّ الشاعرين إذَا اتَّفقَا، لم يخلُ ذلك من أن يكون:
فالاشتراك في الغَرَض على العموم يكون بأن يقصد كلُّ واحد منهما وصفَ ممدوحه بالشجاعة والسخاء، أو حُسن الوجه والبهاء، أو وصفَ فرسه بالسرعة، أو ما جرى هذا المجرى.
وأمّا وجه الدِّلاَلة على الغرض، فهو أن يَذْكر ما يُستدلّ به على إثباته له الشجاعةَ والسخاء مثلًا، وذلك ينقسم أقسامًا: منها التشبيهُ بما يوجَد هذا الوصف فيه على الوجهِ البليغ والغاية البعيدةِ؛ كالتشبيه بالأسد، وبالبحر في البأس والجود، والبَدْر والشَّمسِ في الحسن والبهاء والإنارة والإشراق.
ويرى الشيخ عبد القاهر أنَّ اشتراك الشعراء في عموم الغرض ليس فيه نوع من أنواع السرقة، فأمَّا الاتِّفاق في عموم الغَرض، فما لا يكون الاشتراك فيه داخلًا في الأَخذ والسرقة والاستمداد والاستعانة، لا ترى مَن به حسّ يدّعي ذلك، ويأبى الحكم بأنَّه لا يدخل في باب الأخذ، وإنَّما يقع الغلط من بعض من لا يحسن التحصيل، ولا ينعم التأمّل، فيما يؤدّي إلى ذلك، حتَّى يدَّعى عليه في المحاجّة أنَّه بما قاله قد دخل في حكم من يجعل أحد الشاعرين عيالًا على الآخر في تصوّر معنى الشجاعة، وأنَّها ممَّا يمدح به، وأنَّ الجهل ممَّا يذمّ به، فأمّا أن يقوله صريحًا، ويرتكبه قصدًا، فلا.
ومن ذلك التشبيه بالأسد في الشجاعة، وبالبحر في السخاء، وبالبدر في النور والبهاء، وبالصبح في الظهور والجلاء ونَفْي الالتباسِ عنه والخفاء، لأنَّ هذا ممَّا لا يُخْتَصُّ بمعرفته قومٌ دون قوم، ولا يحتاج في العلم به إلى رَوِيّةٍ واستنباط وتدبُّر وتأمُّل، وإنَّما هو في حكم الغرائز المركوزَةِ في النفوس، والقضايا التي وُضع العلم بها في القلوب.