ختم الشيخ عبد القاهر كتابه "أسرار البلاغة" بالحديث عن الحذف والزيادة، وهل هما من المجاز أم لا، فذكر أنَّ الكلمة كما توصف بالمجاز، لنقلك لها عن معناها، كما مضى، فقد توصف به لنقلها عن حُكمٍ كان لها، إلى حُكْمٍ ليس هو بحقيقة فيها، ومثالُ ذلك أنَّ المضاف إليه يكتسب إعرابَ المضافِ في نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢]، والأصل: "وَاسْأَلِ أَهْلَ الْقَرْيَةَ"، فالحكم الذي يجب للقرية في الأصل وعلى الحقيقة هو الجرُّ، والنصبُ فيها مجازٌ.
ولا يقال: إنَّ وجهَ المجاز في هذا الحذف لأنَّ الحذفُ بمجرَّده لا يستحقّ الوصف به، إذ إنَّ تَرْك الذكر وإسقاطَ الكلمة من الكلام، لا يكون نقلًا لها عن أصلها، إنَّما يُتصوَّر النقل فيما دخل تحت النطق.
وقضية الزيادة كالحذف، فلا يجوزُ أن يقال إنَّ زيادة ما في نحو: {فَبِمَا رَحْمَةٍ} [آل عمران: ٩٥١] مجازٌ، أو إنَّ جملة الكلام تصير مجازًا من أجل زيادته فيه، وذلك أنَّ حقيقة الزيادة في الكلمة أنْ تَعْرَى من معناهَا، وتذكرَ ولا فائدة لها سوى الصّلة، ويكون سقوطُها وثبوتُها سواءً، ومحالٌ أن يكون ذلك مجازًا؛ لأنَّ المجاز أن يُراد بالكلمة غير ما وُضِعت له في الأصل أو يُزَادَ فيه أو يُوهَم شيءٌ ليس من شأنه، كإيهامك بظاهر النَّصب في القرية أنَّ السؤال واقعٌ عليها.
ثمَّ ذكر الشيخ عبد القاهر أنَّ المجاز على أقسام، والزيادة من أنواع المجاز إذا توافر فيها شروط المجاز؛ لأنَّ المجاز، يفيد أن تجوز بالكلمة موضعَها في أصل الوضع، وتنقلها عن دِلالة إلى دِلالة، أو ما قَارَب ذلك، وعلى الجملة فإنَّه لا يُعقَل من المجاز أن تَسْلُب الكلمة دِلالتَها، ثمَّ لا تُعطيها دِلالةً، وأن تُخلِيَها من أن يُرَاد بها شيء على وجهٍ من الوجوه، ووصفُ اللفظة بالزيادة، يفيد أنْ لا يُرَاد بها معنًى، وأنْ تُجعَل كأنْ لم يكن لها دلالة قطُّ.
فإنْ قلت: أَو ليس يُقال إنَّ الكلمة لا تَعْرَى من فائدةٍ ما، ولا تصير لَغْوًا على الإطلاق، حتَّى قالوا إنَّ ما في نحو {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ}، تفيد التوكيد، فأنا أقول إنَّ كونَ مَا تأكيدًا، نقلٌ لها عن أصلها ومجازٌ فيها، وكذلك أقول: إنَّ كون الباء المزيدة في: (ليس زيد بخارج)، لتأكيدِ النفي، مجازٌ في الكلمة؛ لأنَّ أصلها أن تكون للإلصاق فإنَّ ذلك على بُعده لا يقدح فيما أردتُ تصحيحَه؛ لأنَّه لا يُتصوَّر أن تصفَ الكلمة من حيث جُعلت زائدة بأنَّها مجازٌ.