التشبيه والتمثيل

يوضِّح الشيخ عبد القاهر فيه حقيقة التشبيه وأقسامه، ويأتي التشبيه في صورتين:

  • الصورة الأولى أن يأتي في شيء واضح لا يحتاج إلى تأوّل،
  • والصورة الثانية أن يكون الشبه محصَّلًا بضرب من التأوُّل.

فمثال الأوَّل: تشبيهُ الشيّ بالشيء من جهة الصُّورة والشكل، نحو أن يشبَّه الشيء إذا استدار بالكرة في وجه، وبالحلقة في وجه آخر، وكالتشبيه من جهة اللّون، كتشبيه الخدود بالورد، والشَعر بالليل، والوجه بالنهار.

وأمَّا الثاني: فهو قسم يحتاج إلى التأوُّل، كقولك: هذه حُجَّةٌ كالشمس في الظهور، وقد شبّهت الحجَّةَ بالشمس من جهة ظهورها، كما شبَّهتَ فيما مَضَى الشيء بالشيء من جهة ما أردت من لون أو صورة أو غيرهما، إلَّا أنَّك تعلمَ أنَّ هذا التشبيه لا يتمّ لكَ إلَّا بتأوُّل، وذلك أن تقول: حقيقة ظُهور الشمس وغيرها من الأجسام أنْ لا يكون دونها حجابٌ ونحوُه، فقد احتجتَ في تحصيل الشبه الذي أَثبته بين الحجَّة والشمس إلى مثل هذا التأوُّل.

 

الفرق بين التشبيه والتمثيل

يوضِّح الجرجانيّ الفرق بين التشبيه والتمثيل بأسلوب مفهوم ومبسَّط، فالتشبيه عامٌّ والتمثيل أخصّ منه، فكلّ تمثيلٍ تشبيهٌ، ولكن ليس كلّ تشبيهٍ تمثيلًا، فعلى سبيل المثال جاء في قول قيس بن الخطيم:

وقد لاَحَ في الصُّبح الثريَّا لمن رَأَى ... كَعُنْقُودِ مُلَّاحِيَّةٍ حِينَ نَوَّرا

فإنَّه تشبيه حسن، ولا تقول: هو تمثيل... ولكن إن قلت في قول ابن المعتز:

فالنار تأكُلُ نَفْسها ... إن لم تجد ما تأْكُلُهْ

فإنَّه تمثيل؛ فلأنَّ تشبيه الحسود إذا صُبِر وسُكِتَ عنه، وتُرك غيظُه يتردّد فيه بالنار التي لا تُمَدُّ بالحطب حتَّى يأكُلَ بعضها بعضًا، ممَّا حاجتهُ إلى التأوُّل ظاهرة بيِّنة.

ثمَّ تناول بعد ذلك مواقع التمثيل وتأثيره، وقال فيه إنَّ التمثيل له تأثير كبير إذا جاءَ في أعقاب المعاني، ونُقِلت عن صُوَرها الأصليَّة إلى صورته، كساها أُبَّهةً، ورفع من أقدارها، وضاعف قُواها في تحريك النُّفوس لها، وأسباب تأثير التمثيل في النَّفس؛ منها ما يقتضي أن يَفخُمَ المعنى بالتمثيل، وينبُلَ ويَشرُفَ ويكمل، وأن تُخرجها من خفيٍّ إلى جليٍّ، وتأتيها بصريح بعد مكنىٍّ.

 

 التشبيه المتعدِّد والفرق بينه وبين المركَّب

 نصَّ المؤلِّف على أنَّ التشبيه المركَّب عبارة عن تشبيه شيئين بشيئين ضربةً واحدةً، إلَّا أنَّ أحدهما لا يداخل الآخر في الشَّبه، ومثاله في قول امرئ القيس:

كأنَّ قُلُوبَ الطَّير رَطْبًا ويابسًا ... لَدَى وَكْرِهَا العُنّابُ والحشَفُ البَالي

وذلك أنَّه لم يقصِد إلى أن يجعل بين الشيئين اتِّصالًا، وإنَّما أراد اجتماعًا في مكانٍ فقط.

  

الفرق بين الاستعارة والتمثيل

 بيَّن أن الاستعارة تتميَّز بأن يكون للَّفظ اللُّغويّ أصلٌ، ثمَّ يُنقَل عن ذلك الأصل على الشَّرط المتقدِّم، وهذا الحدّ لا يجيء في الذي تقدَّم في معنى التمثيل، وهذا هو الحدّ الفاصل في معنى التمثيل، من أنَّه الأصل في كونه مَثَلًا وتمثيلًا، وهو التشبيه المنتزَع من مجموع أمور، والذي لا يُحصّله لك إلَّا جملةٌ من الكلام أو أكثر، فالاستعارة فيها حكم زائد على التمثيل، إذ لو كان المراد بالاستعارة هو المراد بالتمثيل، لوَجب أن يصحّ إطلاقُها في كلّ شيء يقال فيه إنَّه تمثيلٌ.

 

الفرق بين التشبيه والاستعارة

 وقد ذكر أنَّ الاسم إذا قُصد إجراؤُه على غير ما هو له لمشابهة بينهما، كان ذلك على وجهين: أحدهما أن تُسقط ذكر المشبَّه، وذلك أن تقول: "عنَّت لنا ظبية"، وأنت تريد امرأة، ووردنا بحرًا، وأنت تريد الممدوح، فأنت في هذا النحو من الكلام إنّما تعرف أنَّ المتكلِّم لم يُرد ما الاسمُ موضوعٌ له في أصل اللغة، بدليل الحال، أو إفصاح المقال بعد السؤال، أو بفحوَى الكلام وما يتلوه من الأوصاف.

 

وجود الاستعارة في القرآن الكريم

وممَّا يدلِّل على وجود الاستعارة في القرآن الكريم ما روي أن عديَّ بن حاتم اشتَبَه عليه المُراد بلفظ الخَيْط في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: ١٨٧]، وحمله على ظاهره، فقد رُوى أنَّه قال لمَّا نزلت هذه الآية أخذت عِقالًا أسودَ وعِقالًا أبيض، فوضعتهما تحت وسادتي، فنظرت فلم أتبيّن، فذكرت ذلك للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: "إن وِسَادك لطويل عَرِيضٌ، إنَّما هو الليل والنهار".


أسرار البلاغة
أسرار البلاغة
عبد القاهر الجرجاني
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00