اعلم أن مما يزدادُ به التشبيهُ دقّةً وسِحْرَاً، أن يجيء في الهيئات التي تقع على الحركات، والهيئةُ المقصودة في التَّشبيه على وجهين أحدهما أن تقترن بغيرها من الأوصاف كالشكل واللون ونحوهما، والثاني أن تُجرَّدَ هيئةُ الحركة حتى لا يُراد غيرها، فمن الأوّل قوله:
والشمسُ كالمرآةِ في كفِّ الأشل
أراد أن يُريك مع الشَّكل الذي هو الاستدارة، ومع الإشراق والتلألؤ على الجملة، الحركةَ التي تراها للشمس إذا أنعمتَ التأمُّل، ثم ما يحصُل في نُورها من أجل تلك الحركة، وذلك أن للشمس حركةً متصلةً دائمةً في غاية السرعة، ولنُورها بسبب تلك الحركة تموُّجٌ واضطرابٌْ عَجَبٌ، ولا يتحصل هذا الشبهُ إلا بأن تكون المرآة في يد الأشَلِّ، لأن حركتها تدور وتتصل ويكون فيها سرعة وقلقٌ شديد، حتى ترى المرآة، ويقع الاضطراب الذي كأنه يَسْحَرُ الطَّرْف.
التخييل بغير تعليل، هو نوع آخر من التخييل، وهو يرجع إلي ما مضى من تناسي التَّشبيه وصرف النفس عن توهُّمه، إلا أنَّ ما مضى مُعلَّل، وهذا غير معلّل، بيان ذلك أنهم يستعيرون الصِّفة المحسوسة من صفات الأشخاص للأوصاف المعقولة، ثم تراهم كأنهم قد وجدوا تلك الصفة بعينها، وأدركوها بأعينهم على حقيقتها، وكأنّ حديث الاستعارة والقياس لم يجرِ منهم على بال ولم يرَوْه ولا طيفَ خَيال. ومثالُه استعارتُهم العلوَّ لزيادة الرجل على غيره في الفضل والقدر والسلطان، ثم وَضْعُهم الكلام وضعَ من يذكر علُواً من طريق المكان، ألا ترى إلى قول أبي تمام:
ويَصْعَدُ حَتَّى يظُنَّ الجَهولُ ... بأنّ لَهُ حاجةً في السماءِ
فلولا قصده أن يُنْسِيَ الشبيه ويرفعَه بجهده، ويُصمِّم على إنكاره وجَحْده، فيجعله صاعداً في السماء من حيث المسافة المكانية، لمَا كان لهذا الكلام وجهٌ.