يفرد الجرجانيّ بابًا عن تعريف الاستعارة، فعرَّفها بأنَّها لفظ أو كلمة لها أصلٌ في الوضع اللغويّ معروفٌ تدلُّ الشواهد على أنَّه اخْتُصَّ به حين وُضع، ثمَّ يستعمله الأديب أو الشاعر في غير ذلك الأصل، أي يستعمله في غير معناه، فيصبح اللفظ كالعارية ولذلك سمّيت استعارة.
وتناول الشيخ عبد القاهر بعد ذلك تقسيم الاستعارة، وقسَّمها إلى قسمين، أحدهُما:
أمَّا غير المفيد منها؛ فإنَّه قصيرُ الباع، قليل الاتِّساع، والمُفيد من الاستعارة هو المقصود، حيث يكون اختصاصُ الاسم بما وُضع له من طريق أريدَ به التوسُّع في أوضاع اللغة.
ومن أمثلة الاستعارة: رأيت أسدًا، وأنت تعني رجلًا شجاعًا، وبحرًا، تريد رجلًا جوادًا وبدرًا وشمسًا، تريد إنسانًا مضيء الوَجْه متهَلِّلًا، وسللت سيفًا على العدوّ تريد رجلًا ماضيًا في نصرتك، فقد استعرت اسم الأسد للرجل، ومعلومٌ أنَّك أفدت بهذه الاستعارة ما لولاها لم يحصل لك، وهو المبالغة في وصف المقصود بالشجاعة، وهكذا أفدت باستعارة البحر سَعَته في الجود وفَيْضَ الكفّ، وبالشمس والبدر ما لهما من الجمال والبهاء والحسن المالئ للعيون الباهر للنواظر.
ثمَّ القول في الاستعارة المفيدة، أنَّ الاستعارة المفيدة القويَّة في الحقيقة، أعجب حسنًا وإحسانًا، وأوسعُ سعَةً وأبعد غَوْرًا، وأذهبُ نَجْدًا في الصِّناعة؛ يقصد صناعة البلاغة، من أن تُجمعَ شُعَبها وشُعُوبها، وتُحصَر فنونها وضروبها.
ومن فضائل الاستعارة الجامعة أنَّها تُبرز البيان في صورة مُستجَدَّةٍ تزيد قَدرَه نُبْلًا، وتوجب له بعد الفضلِ فضلًا، وإنَّكَ لَتِجِدُ اللفظة الواحدة قد اكتسبتَ بها فوائد حتَّى تراها مكرّرة في مواضعَ، ولها في كلّ واحد من تلك المواضع شأنٌ مفردٌ، وشرفٌ منفردٌ، وفضيلةٌ مرموقة.
أمَّا عن خصائص الاستعارة المفيدة، فإنَّها تُعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ، حتَّى تُخرجَ من الصدَفة الواحدة عِدّةً من الدُّرَر، وتَجْنِيَ من الغُصْن الواحد أنواعًا من الثَّمر، فالاستعارة المفيدة القويَّة تمنح القارئ والناقد المعانيَ اللطيفةَ التي هي من خبايا العقل، وكأنَّها قد جُسِّمت حتَّى رأتها العيون، وإن شئتَ لطَّفتِ الأوصاف الجسمانيَّة حتَّى تعود رُوحانيَّة لا تنالها إلَّا الظنون.