إنّ سبيل الزنى هو أسوأ سبيل، ومقيل أهلها في الجحيم شر مقيل ومستقر، أرواحهم في البرزخ في تنور من نار، يأتيهم لهبها من تحتهم، فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا ثم يعودون إلى موضعهم، فهم هكذا إلى يوم القيامة، كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في منامه، ورؤيا الأنبياء وحي لا شك فيها.
يكفي في قبح الزنى أن الله سبحانه وتعالى أمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله، والزنى يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة.
الزنى يجرئ على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله، وربما قاده قسرا إلى سفك الدم الحرام.
واختلف الناس في عقوبة اللوطي على ثلاثة أقوال: الأول أنها أعظم من عقوبة الزنى، الثاني أنها مثلها، الثالث: أنها دونها.
ذكر ابن القيم في هذا الباب قصصا عجبا من شفاعة الأمراء والخلفاء، وأهل الفضل في العاشقين، ومحاولاتهم للجمع بينهما في الحلال وتزويجهم، وعدم التفريق بينهم، وفي هذا خير، لأنه إعانة على الحلال، إنقاذ نفوس العاشقين من الهلاك، والموت المحقق.
ومن هذه القصص قصة رجل نخّاس، كان عنده جارية لم يكن له مال غيرها، وكان يعرضها في المواسم، فتغالى الناس فيها، حتى بلغت مبلغًا كثيرا من المال وهو يطلب الزيادة، فأرادها رجل فقير، فكاد عقله أن يذهب، فلما بلغ النخّاس ذلك وهبها له، فعوتب في ذلك فقال: "إني سمعت الله تعالى يقول: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، أفلا أحيي الناس جميعًا؟"
النفس الأبية لا ترضى بالدون وقد عاب الله سبحانه أقواما استبدلوا طعاما بطعام أدنى منه فنعى ذلك عليهم وقال: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [سورة البقرة: 61].
قد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يؤمن العبد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد حكم الله تعالى لتابع هواه بغير هدى من الله أنه أظلم الظالمين.. فقال الله عز وجل: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [سورة القصص: 50].
الراغبون ثلاثة أقسام: راغب في الله، وراغب فيما عند الله، وراغب عن الله، فالمحب راغب فيه والعامل راغب فيما عنده، والراضي بالدنيا من الآخرة راغب عنه.
حياة القلب مع الله لا حياة له بدون ذلك أبدا، والمحب الحقيقي لله هو المشتاق إلى لقائه الذي لا يجد الأنس إلا بذكره وحفظ حدوده وآثره على غيره فهو المحب حقا.
المحبة شجرة في القلب، عروقها الذل للمحبوب، وساقها معرفته، وأغصانها خشيته، وورقها الحياء منه، وثمرتها طاعته، ومادتها التي تسقيها ذكره.
من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه، كما ترك يوسف الصديق عليه السلام امرأة العزيز لله واختار السجن على الفاحشة، فعوضه الله أن مكنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء وأتته المرأة صاغرة.
النجاة من عقاب الله تعالى لا تكون إلا لمن كان سالكا طريق النبي صلى الله عليه وسلم.
ما حرم الله على عباده شيئا إلا عوضهم خيرا منه، حيث حرم عليهم الربا وعوضهم منه التجارة الرابحة وحرم عليهم شرب المسكر وعوضهم عنه بالأشربة اللذيذة النافعة للروح والبدن، وحرم عليهم سماع آلات اللهو من المعازف والمثاني، وعوضهم عنها بسماع القرآن والسبع المثاني، وحرم عليهم الخبائث من المطعومات، وعوضهم عنها بالأطعمة الطيبات.
لا يركن العبد إلى نفسه وصبره وحاله وعفته.. ومتى ركن إلى ذلك تخلت عنه عصمة الله.. وأحاط به الخذلان، وقد قال الله تعالى لأكرم الخلق عليه وأحبهم إليه: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74]، ولهذا كان من دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
الهوى ميل الطبع إلى ما يلائمه، وهذا الميل خلق في الإنسان لضرورة بقائه، فإنه لولا ميله إلى المطعم والمشرب والمنكح ما أكل ولا شرب ولا نكح.
إنّ مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها، وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العادة والعيش الذي لا بد لهم منه.