جمع المؤلف مجموعة من الأخبار عن العشق، وفيها تعريفات متشبعة له، ومنها قوله: قال أفلاطون: "العشق حركة النفس الفارغة"، وقال أرسطاطاليس: "العشق عمى الحس عن إدراك عيوب المحبوب".
والعشق لا يرتبط بالجمال فقط، بل هو تشاكل النفوس وتمازجها في الطباع، فالقلب من العاشق ذاهل والدمع منه هامل والجسم منه ناحل.
قالت فرقة أن العشق أمر اضطراري، فإذا وقع إنسان فيه فليس بإرادته، وقالت فرقة أخرى بل اختياري تابع لهوى النفس وإرادتها.
ذم الله سبحانه وتعالى أصحاب المحبة الفاسدة الذين يحبون من دونه أندادا ولو كانت المحبة اضطرارية لما ذمهم على ذلك.
السُكر يجمع معنيين وجود لذة وعدم تمييز، وقد حرم الله سبحانه وتعالى السكر لشيئين ذكرهما في كتابه من قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [سورة المائدة: 91] فأخبر الله سبحانه أنه يوجب مفسدة زوال العقل ويمنع أي مصلحة لا تتم إلا بالعقل.
كان ابن القيم بعيد النظر، حينما تحدث عن السكر والمسكرات فقد جعل المسكرات عامة، فليس الخمر فقط هو المسكر، وإنما كل شيء يذهب العقل يندرج تحته، فالخمر شراب النفوس والألحان شراب الأرواح، والصور (المحرمة) شراب الأبصار.
إذا كانت اللذة مطلوبة لذاتها (لذة أي شيء محرم) فهي إنما تذم إذا أعقبت ألما أعظم منها أو منعت لذة خيرا منها (نعيم الجنة) وتحمد إذا أعانت على اللذة الدائمة المستقرة وهي لذة الدار الآخرة ونعيمها الذي هو أفضل نعيم.
لذات الدنيا ونعيمها متاع ووسيلة إلى لذات الدار الآخرة ولذلك خلقت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" فكل لذة أعانت على لذات الدار الآخرة فهي محبوبة.
أقسام اللذات ثلاثة: لذة جثمانية، ولذة خيالية وهمية، ولذة عقلية روحانية، فاللذة الجثمانية لذة الأكل والشرب والجماع، وأما اللذة الوهمية الخيالية فلذة الرئاسة والتعاظم على الخلق والفخر والاستطالة عليهم، وأما اللذة العقلية الروحانية فهي كلذة المعرفة والعلم والاتصاف بصفات الكمال من الكرم والجود والعفة والشجاعة والصبر والحلم والمروءة وغيرها.
لا يكمل أحد قط إلا من عشقه لأهل الكمال وتشبه بهم، فالعالم يبلغ في العلم بحسب عشقه له وكذلك صاحب كل صناعة وحرفة.
هناك حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم: قال: "من عشق فكتم وعف وصبر فمات فهو شهيد"، قال عنه ابن القيم: لم يحدث به غير سويد، وقد صح عنه أنه عد الشهداء ستا فلم يذكر فيهم قتيل العشق شهيدا ولا يمكن أن يكون كل قتيل بالعشق شهيدا فإنه قد يعشق عشقا يستحق عليه العقوبة وقد أنكر حفاظ الإسلام هذا الحديث على سويد.
إذا اقتحم العبد بحر العشق ولعبت به أمواجه فهو إلى الهلاك أدنى منه إلى السلامة، وكم من عاشق أتلف في معشوقه ماله وعرضه ونفسه وضيع أهله ومصالح دينه ودنياه، يترك الملك مملوكا والسلطان عبدا.
إنّ قوم فرعون حملهم الهوى والشهوة وعشق الرئاسة على تكذيب موسى حتى آل بهم الأمر إلى الهلاك، وكذلك أهل السبت الذين مسخوا قردة إنما أتوا من جهة محبة الحيتان وشهوة أكلها والحرص عليها، وغيرهم كثير.
العشق لا يحمد مطلقا ولا يذم مطلقا، فإن أعظم صلاح العبد أن يصرف قوى حبه كلها لله تعالى وحده بحيث يحب الله بكل قلبه وروحه وجوارحه فيوحد محبوبه ويوحد حبه.
العبد لا يجد حلاوة الإيمان إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه، ومحبة رسوله هي من محبته ومحبة المرء، إن كانت لله فهي من محبة الله، وإن كانت لغير الله فهي منقصة لمحبة الله.
قال الله تعالى: {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: 28]، قال: إذا نظر إلى النساء لم يصبر، وأخبر أن متبعي الشهوات يريدون من عباده أن يميلوا ميلا عظيما، وأخبر سبحانه وتعالى أنه يريد التخفيف عنا لضعفنا، فأباح لنا أن ننكح ما طاب لنا من النساء أربعا.