يُفهم من قول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} أن غض البصر أصل لحفظ الفرج، ولذلك بدأ بذكره، ولما كان تحريمه تحريم الوسائل فيباح للمصلحة، ويحرم إذا خيف منه الفساد، ولذلك لم يأمر سبحانه بغض البصر مطلقا بل أمر بالغض منه، وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال لا يباح إلا بحقه.
جعل الله سبحانه العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته.
من فوائد غض البصر: تخليص القلب من ألم الحسرة، يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه، يورث صحة الفراسة، يفتح له طرق العلم وأبوابه، يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، يورث القلب سرورا وفرحة، يخلص القلب من أسر الشهوة فإن الأسير هو أسير شهوته، يسد عنه بابا من أبواب جهنم، يقوي عقله ويزيده، يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة.
ذكر المؤلف مناظرة بين العين والقلب وباقي أعضاء الجسم، يحاول أن يثبت من خلالها مبدأ مهم هو: أن المؤمن الحق لابد أن يوحد الله تعالى حتى في حبه له، فيكون أحب إليه مما سواه فانظر بالله بمن استبدلت؟!.. استبدلت محبة الله العظيم بحب الشهوات والتعلق بها.
من أباح النظر يفتح على المرء بابا عظيم الخطر، فالنظر للشهوات والحرمات بريد القلب، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، وعلى الرغم من أن بعض الفقهاء أجازوا بعض الأمور لعدم الوقوع في الزنا، إلا أنه من الأولى محاولة الإنسان أن يشغل نفسه بالطاعات ويجاهدها.
ظن بعض الناس أن نظرهم للوجه الحسن عبادة لأنهم ينظرون إلى مظاهر الجمال الإلهي، وهذا كذب باطل.
أما من استدل بالحديث المروي: اطلبوا الخير من أصحاب الوجه الجميل، أو ما في معناه، فإن الوجه الجميل مظنة الفعل الجميل فإن الأخلاق في الغالب مناسبة للخلقة.
إن احتمال النفس لغض البصر وعدم الاقتراب من المحرمات، أهون كثيرا من إطلاق النظر والقبلات المحرمة، وغيرها مما يجر إلى هلاك القلب وفساد الدين.