تناول الفصل الخامس ردّ الفعل الإسرائيليّ الوحشيّ على الانتفاضة الأولى، والتوسّع المستمرّ للمستوطنات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة المحتلّين، واتفاقيّات أوسلو التي تمّ ترتيبها على أساس العلاقات السياسيّة والدبلوماسيّة والعسكريّة الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتَّحدة، والتي لم تحلّ أي مطالب فلسطينيّة أساسية؛ مثل السيادة الوطنيّة، وإنهاء الاحتلال، وحقّ العودة للّاجئين، واتفاقيّة بشأن القدس، والحدود المرسومة، وحقوق الأرض والمياه.
وبالتالي كانت الاتفاقيّات بمثابة "إعلان حرب أمريكيّ إسرائيليّ آخر على الفلسطينيّين، حظي بموافقة دوليّة لتعزيز مشروع الحركة الصهيونيّة الذي يعود إلى قرن من الزمان".
وبعد أن تبخَّر حلم الجيش الذي سيحرّر فلسطين من الخارج، نشأ جيل جديد من الفلسطينيّين لا يرى أمامه إلَّا مواجهة الاحتلال العسكريّ في الداخل.
ولم يكن الداخل الفلسطينيّ أبدًا راضخًا؛ فقد خرج الفلسطينيّون في مظاهرات علنيّة تأييدًا لمنظَّمة التحرير الفلسطينيّة في القدس الشرقيّة والضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. وقد وثَّق الكاتب رشيد الخالديّ بنفسه رؤيته للمظاهرات عام 1966م في فلسطين في الضفّة الغربيّة وفي نابلس، حيث رأى بعينه اشتباكات بين متظاهرين شباب وجنود إسرائيليّين كانوا يطاردونهم، ويطلقون عليهم رصاصًا مطَّاطيًا وغازات مسيّلة للدموع، ولكنّها كانت مظاهرات متفرّقة.
وحدثت الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى عام 1987م، وانفجر بركانٌ من الغضب ردًّا على تكرّر الاعتداءات الإسرائيليّة. وقد استخدمت الانتفاضة تكتيكات التظاهر والإضرابات والمقاطعة وعدم دفع الضرائب، وغيرها من الأشكال العبقريّة للعصيان المدنيّ.
وتعلَّم إسحاق رابين من الانتفاضة أنَّ إسرائيل لن تستطيع أن تسيطر على الأراضي المحتلَّة باستخدام قوّة السلاح فقط. ومثَّلت الانتفاضة الأولى شكلًا رائعًا للمقاومة الشعبيّة ضدّ الاضطهاد، وتعدّ أوَّل نصر صريح للفلسطينيّين في حرب الاستعمار الطويلة.
وقد اغتالت إسرائيل أبا جهاد في أبريل 1988م بعد حوالي أربعة أشهر من بدء الانتفاضة، وقد كان أبو جهاد أقرب القادة لعرفات. ويرى رشيد الخالديّ أنَّ عرفات ورفاقه لم يوظّفوا الظروف بشكل جيّد؛ فقد كشفت الثورة الشعبيّة محدوديّة الاحتلال العسكريّ، وأضعفت موقف إسرائيل الدوليّ، وحسّنت موقف الفلسطينيّين.
وهناك خطوه خطيرة أقدم عليها ياسر عرفات وهي خطوة الحياد وتأييد العراق في الغزو الذي تمَّ على الكويت عام 1990م.
وكان أبو إياد وهو رئيس مخابرات منظّمة التحرير الفلسطينيّة، من أذكى القادة الكبار حيث حارب بقوّة ضدّ قرار تأييد العراق وأثار مناقشة ساخنة مع عرفات.
وكان من النتائج الكارثيّة لقرار عرفات غير الصائب الإقلاع المأساويّ لمئات آلاف من الفلسطينيّين من دولة الكويت بعد تحريرها. وحاولت منظمة التحرير الفلسطينية أن تدخل في مفاوضات ومباحثات سلام كانت معالمها غير واضحة ولم تكن أصلًا في صالح الفلسطينيّين.
وكان اعتقاد منظَّمة التحرير الفلسطينيّة ساذجًا بعض الشيء؛ فقد سعت إلى الحصول على اعتراف رسميّ من حكومة الولايات المتَّحدة الأمريكيّة بأنَّهم الممثّلون الشرعيّون للفلسطينيّين ولم تدرك أنَّ الأمريكان لا يسعون إلَّا لتنفيذ خططهم وأجندتهم. وقد كانت هناك تحوّلات سياسيّة كبرى بعد ذلك في منظَّمة التحرير الفلسطينيّة، فقد اعترف ياسر عرفات بعد أن دخل في مفاوضات ثنائيّة بحقّ إسرائيل في الوجود بأمن وسلام، والتخلِّي عن "الإرهاب".
واختار قادة منظمة التحرير الفلسطينيّة أن يضعوا كلّ آمالهم في سلّة حكومة الولايات المتَّحدة الأمريكيّة، وذلك بسبب قلّة الحلفاء لدى الفلسطينييّن إقليميًّا ودوليًّا وقدرتهم المحدودة على الضغط على إسرائيل.
وقد أجبرت الولايات المتَّحدة الأمريكيّة الفلسطينيّين على قبول طريقة التفاوض والتي تقتضي الخداع، وتأخير الحركة الفلسطينيّة عن تحقيق أهدافها، فلم تكن الولايات المتَّحدة الأمريكيّة مجرّد مساعد لإسرائيل بل كانت شريكة لإسرائيل.
وقام إسحاق رابين بمصافحة يد عرفات وهو في قمّة الازدراء، وذلك في واشنطن عام 1993م، ولم يحسب حساب المعارضة الإسرائيليّة لأيّ اتَّفاق حقيقيّ مع الفلسطينيّين؛ لأنَّ هناك قوميّين متديِّنين يتحمَّسون لأرض إسرائيل الكبرى.
وقد انتقلت غالبيّة عناصر منظَّمة التحرير الفلسطينيّة من دولة تونس إلى الأراضي المحتلَّة، حيث استلموا مناصب عليا في قوّات الأمن ومؤسّسات السلطة الفلسطينيّة.
والحقيقة أنَّ السلطة الفلسطينيّة لا تتمتّع بالسيادة ولا بالتحكّم ولا بالسلطة أصلًا، إلَّا بقدر ما تسمح به إسرائيل التي تسيطر عليها.
ويرى الاسرائيليّون والأمريكان والأوروبيّون، أنَّ جوهر مسؤوليّات السلطة الفلسطينيّة هو منع العنف ضدّ إسرائيل، والتعاون الأمنيّ معها لوقف أيّة هجمات ضدَّها.
