"سَردتُ هذه القصة جزئيا من خلال تجارب فلسطينيين عاشوا هذه الحرب وينتمي كثيرٌ منهم إلى عائلتي".
أضمَنُ طريقةٍ لاستئصال حقوق شعبٍ وحرمانِهِ من أرضِهِ هي إنكار ارتباطِهم التاريخي بها.
أُتهم الفلسطينيون من طرف المتعاطفين مع الذين اضطهدوهم، بأنهم منغمسون في الشعور بأنهم ضحايا، وفي الحقيقة واجه الفلسطينيون ظروفا شاقة، بل ومستحيلة أحيانا، مثلهم في ذلك مثل جميع السكان المحليين الأصليين الذين واجهوا حروبا استعمارية.
بين كل الخدمات التي قدَّمتْها بريطانيا للحركة الصهيونية قَبل سنة 1939، ربما كان أكثرها فائدة هو القَمع العسكري لمقاومة الثورة الفلسطينية. قضَت الحربُ الدموية التي شُنَّت ضد الأغلبية في البلاد على 10% من الرجال العرب البالغين بين قتيلٍ أو جريح.
إنّ صك بلفور سنة 1917 تحول إلى صيغة أممية تبنتها عصبة الأمم سنة 1922، وبناء عليها صارت الوظيفة الدولية للاستعمار البريطاني في فلسطين، إقامة وطن قومي لليهود بفلسطين، وكل الدول الكبرى كانت مؤيدة لهذا الانتداب ووظيفته.
ان البيت الأبيض يسعى لأمرٍ آخَر: إصدارُ اقتراحات مبدَئية موالِية لإسرائيل بشكلٍ هجومي، بحيث تكون غير مقبولة حتى لأكثرِ الفلسطينيين مُرونَة، وبهذا الأسلوب تستطيع الحكومةُ الإسرائيلية صَبغَ الفلسطينيين بِعَدَمِ التعاون، وتُتابِع تَجنّبَ المفاوضات والاستمرار بالوَضع القائم في الضَّم والتَّوسع الاستعماري.
هكذا زينت حركة استعمارية قومية من أواخر القرن التاسع عشر نفسها بمعطف توراتي، كان جذابا جدا للبروتستانت الذين يتلون الكتاب المقدس في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأميركية، وأعماهم ذلك عن رؤية الحداثة الصهيونية وطبيعتها الاستعمارية، وإلا كيف يمكن أن يستعمر اليهود الأرض التي انطلق منها دينهم؟
بالإضافة إلى الأدوار المُتداخِلة بين إسرائيل وأمريكا، كانت أسوأ وأكثر الجوانب دناءةً في الحرب هو خضوع الأنظمة العربية القائدة للضغط الأمريكي.
وعلى ذلك ولدت الصهيونية في بيئة دينية وسياسية مواتية جدا، حيث كانت الدعوة إلى عودة اليهود إلى فلسطين قد أصبح لها مؤيدون في العواصم الأوروبية الكبرى؛ لندن وباريس وبرلين وموسكو، وكل من هذه العواصم كان لها أجندات مختلفة لتأييد هذه الدعوة، وليس بالضرورة تأييد صادر عن قناعة دينية.
عندما كانت الوفودُ الفلسطينية تتمكّن من الاجتماع بمسؤولين أجانب سواء أكان ذلك في لندن أو في جنيف، كان يتم إخبارهم أنه ليس لديهم صِفةٌ رسمية، وأنّ اجتماعاتهم كانت بالتالي اجتماعات خاصة وليست رسمية.
غير أننا لا نستطيع تجاهل القوى الدولية والإمبريالية التي تحالفت ضد الفلسطينيين، والتي يُهمل ولا يقدر مداها في أغلب الأحيان، والتي استطاع الفلسطينيون -على الرغم منها- إظهار مرونة وصمود يستحق الإشادة.