يسلّط الفصل الثالث الضوء على الدور الاستعماريّ للولايات المتَّحدة، من خلال موافقة إدارة ليندون جونسون على الضربات الاستباقيّة الإسرائيليّة على مصر والأردن وسوريا في حرب 1967م، وكذلك من خلال دعمها لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة رقم 242، والذي شرّع غزو القدس الشرقيّة والضفة الغربيّة وقطاع غزّة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان، ولم يذكر فلسطين ولا الفلسطينيّين ولا حقوقهم.
وقد ذكر السفير جولد بيرج في حديثه مع السفراء العرب أنّ الولايات المتّحدة تتوسّط لدى إسرائيل لحلّ الأزمة، ومنعها من الهجوم، بينما قام في الوقت نفسه بطلب ضبط النفس من حكومتهم. وحقيقة الأمر أنَّ السفراء العرب كان قد تمّ استغلالهم لخداع حكوماتهم، بينما كانت إسرائيل تستعدّ للضربة الأولى بموافقة أمريكا.
يقول المؤلّف إنّه في صباح أحد أيّام يونيو سنة 1967م ذهب إلى مكتب والده في مقرّ الأمم المتَّحدة، في الوقت الذي اندلعت فيه حرب الأيّام الستّة، والتي سحقت فيها القوات الجويّة المصريّة والسوريّة والأردنيّة، حيث خشي المؤلّف من احتمال نصر إسرائيليّ ساحق.
وأدرك رشيد الخالديّ، أنَّ جيشًا منتشرًا في الصحراء (جيش مصر) دون غطاء جويّ سيكون هدفًا سهلًا لأيّة قوّات جوّية، خاصّة إذا كانت قويّة مثل سلاح الجوّ الإسرائيليّ.
وكانت واشنطن تعلم أنَّ القوّة العسكريّة الإسرائيليّة في حرب 1967م أقوى بكثير من كافّة جيوش الدول العربيّة مجتمعة.
وقد تمكَّنت أرتال المدرَّعات الإسرائيليّة في ستّة أيّام من احتلال سيناء وقطاع غزّة والضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة العربيّة ومرتفعات الجولان.
تطوّر مسار الحرب تمامًا مثلما توقّعت وكالة المخابرات الأمريكيّة ووزارة الدفاع. دمّرت ضربة سريعة قام بها سلاح الجوّ الإسرائيليّ غالبيّة الطائرات المصريّة والسوريّة والأردنيّة على الأرض. منح ذلك إسرائيل تفوّقًا جويًّا تامًّا وامتيازًا لقوّاتها البرّيّة في تلك المنطقة الصحراويّة في ذلك الفصل من السنة. وتمكّنت أرتال المدرَّعات الإسرائيليّة في ستَّة أيَّام من احتلال سيناء وقطاع غزّة والضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة العربيّة ومرتفعات الجولان.
واجتمع مجلس الأمن في الأمم المتَّحدة سنة 1967م، وكان ممثّل الحكومة الأمريكيّة جولد بيرد قد طلب أن يتشاور مع حكومته في قرار وقف إطلاق النار الذي اقترحه مجلس الأمن، يقول المؤلّف: إنّه سأل والده لماذا طلب ذلك؟ وهل هذا القرار يحتاج إلى التشاور لمدّة ساعتين، فقال له والده إسماعيل الخالديّ باللغة العربيّة: ألا تفهم؟ (يريد الأمريكان منح إسرائيل مزيدًا من الوقت) مزيدًا من الوقت لينفّذوا جرائمهم، مزيدًا من الوقت ليحتلّوا أراضي أكثر ويسقطوا ضحايا أكثر.
وقد شكَّل وعد بلفور والانتداب البريطانيّ أوّل إعلان حرب من قوّة عظمى على الشعب الفلسطينيّ، وكان قرار الأمم المتَّحدة بتقسيم فلسطين سنة 1947م يمثل الإعلان الثاني، بينما أدّت حرب عام 1967م إلى الإعلان الثالث.
وأصبحت الولايات المتَّحدة في صفّ إسرائيل تمامًا حيث طوَّرت تحالفًا فريدًا وشاملًا ولكنّه غير رسميّ، يرتكز على أساس أن تظهر إسرائيل نفسها سنة 1967م كشريك يعتمد عليه ضدّ من يعدّون عملاء للاتحاد السوفيتيّ في الشرق الأوسط.
وجاءت نتائج إعلان الحرب الثالث 1967م منتهية بهزيمة العرب، ومؤكّدة للتواطؤ الأميركيّ في الحرب، ومفعمة بالتعجرف في معاملة الفلسطينيّين بعد الحرب، ومكلّلة بنشوة انتصار إسرائيل التي دفعت تجاه السعي إلى المزيد من طمس الهويّة الفلسطينيّة، كما تبيّن في تصريح عام 1969م لرئيسة وزراء الحكومة الإسرائيليّة غولدا مائير (1969–1974):
"لم يكن هناك شيء اسمه الفلسطينيّون لأنَّهم لم يوجدوا أبدًا".
وقد دفعت حرب عام 1967م إلى إعادة إحياء الهويّة الفلسطينيّة من خلال:
أوَّلًا: من خلال أعمال أدباء وكتّاب مثل غسان كنفاني ودرويش وزياد وطوقان وغيرهم.
وثانيَا: من خلال انتقال القوى الفلسطينيّة التي كانت في طور الولادة إلى مرحلة جديدة؛ إذ أدّت الهزيمة إلى شعور الفلسطينيّين بأهميّة تنظيم أنفسهم بأنفسهم.
وحدثت معركة الكرامة عام 1968م في قرية الكرامة الأردنيّة حيث أرسلت إسرائيل 15000 جنديًّا مع مدرّعات ومدفعيّة، وقام الجيش الأردنيّ بالدفاع عن القرية مع المقاومة الفلسطينيّة المتمركزة هناك وكبَّدوا العدو الإسرائيليّ أكبر الخسائر.
وأدّى انتصار الفصائل الفلسطينيّة في معركة الكرامة، إلى خروج منظمة التحرير الفلسطينيّة من عباءة النظام الرسميّ العربيّ، وإلى انضواء الفصائل تحت قيادة المنظمة وتوحّد الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة، ففرض الفلسطينيّون أنفسهم بالقوّة كلاعبٍ جديدٍ في الشرق الأوسط، وتزايد وجودهم على الساحة الدوليّة، وبذلك نجحوا، بحسب الخالديّ، في "استعادة أمر كانوا قد حرموا منه طويلًا ، ممّا "سمح بسرد الرواية الفلسطينيّة" بتعبير إدوارد سعيد؛ ومنافسة السرديّة الإسرائيليّة الظاهرة.
وقد شكّل صعود حركات التحرّر الوطنيّ عالميًا، وتزايد حضور دول العالم الثالث في الأمم المتّحدة، حالة جديدة من التضامن الدوليّ مع القضيّة الفلسطينيّة.
وقد حاولت إسرائيل مهاجمة سوريا ولبنان بهجمات عقابيّة؛ لأنَّها سمحت بشنّ منظمة التحرير الفلسطينيّة عمليّة عسكريّة من أراضيها، فقامت إسرائيل بغزو بريّ في جنوب لبنان سنة 1972م ، كما قامت بضربة جويّة لمخيم النبطيّة للفلسطينيّين في لبنان 1974م.
وقامت إسرائيل بإشعال الفتنة في لبنان التي استمرت 15 عامًا، حيث قامت الحكومة الإسرائيليّة بالتدخّل المباشر وغير المباشر في حرب لبنان ممّا أدَّى إلى تطوير دائرة نفوذ جديدة وتجنيد بعض العملاء داخل لبنان.
واستخدمت أمريكا قوّتها ونفوذها للتلاعب بضعف الدول العربيّة وإثارة خصوماتها والتعامل معهم بشكلٍ منفرد .
كما سقطت الدول العربيّة في فخّ الاتفاقيّات المنفصلة بعيون مفتوحة في مرّات مختلفة بتشجيع من الولايات المتَّحدة الأمريكيّة وانتهت أخيرًا إلى التخلِّي عن أيّ مظهر من مظاهر الوحدة أو حتَّى مجرَّد التنسيق.