يشير الفصل الرابع إلى تواطؤ الولايات المتّحدة مع العدوان الإسرائيليّ، ودعمها للغزو الإسرائيليّ للبنان عام 1982م بقيادة مناحيم بيغن، للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينيّة والقوميّة الفلسطينيّة، ويعدّها الكاتب عمليّة إسرائيليّة أمريكيّة مشتركة. حيث زوَّدت الولايات المتَّحدة إسرائيل بالسلاح ودعمت طرد قيادة منظّمة التحرير الفلسطينيّة ومقاتليها من بيروت إلى تونس.
ويعدّ هذا الفصل هو الأقرب إلى حياة المؤلّف، حيث عاش في بيروت 15 عامًا مع عائلته. كما يقدّم أدلّة دامغة لقرار الحكومة الإسرائيليّة الواعي بإرسال مليشيات مسيحيّة إلى سجن صبرا ومخيمي شاتيلا بقصد واضح للتحريض على مجزرة صبرا وشاتيلا، استنادًا إلى وثائق تمّ تسريبها من أرشيف دولة إسرائيل في عام 2012م، بالإضافة إلى ملاحق سريّة من لجنة كاهان لم يتمّ نشرها في التقرير الأصليّ لعام 1983م.
وقد حدث غزو إسرائيليّ عام 1982م لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة في لبنان، وقد وثّق مؤلّف الكتاب رشيد الخالديّ لحظة بداية الهجوم، عندما كان في اجتماع في الجامعة الأمريكيّة ببيروت.
ومن جهتها عدَّت الحكومة الإسرائيليّة المؤلّف رشيد الخالديّ وزوجته إرهابيّين مثلما عدَّت كلّ الفلسطينيّين، وقد كان عدد الفلسطينيّين في لبنان 300 ألف لاجئ.
وتواصل القصف العنيف لأهداف في بيروت وجنوب لبنان، وكان ذلك افتتاحية لغزو برّيّ كبير في السادس من يونيو، أدّى إلى احتلال إسرائيل لأغلب مناطق لبنان.
وكان الهدف الحقيقيّ لغزو لبنان الذي قاده آرييل شارون هو طرد منظَّمة التحرير والقوَّات السوريّة من لبنان ووضع حكومة متعاونة حليفة في بيروت.
وقد مثلت بيروت المركز العربيّ للصحافة في الشرق الأوسط كما كانت مركزًا للتجسّس. وقد قال بريماكوف مدير معهد الدراسات الشرقيّة في الاتَّحاد السوفيتيّ والمسئول رفيع المستوى في المخابرات السوفييتيّة:
"إنَّ إسرائيل ستهاجم لبنان قريبًا وتدعمها الولايات المتَّحدة، ولن يستطيع الاتَّحاد السوفيتيّ منع الهجوم ولا حماية حلفائه اللبنانيّين والفلسطينيّين"
وبعد بداية المعركة أصبحت منظَّمة التحرير الفلسطينيّة وحدها في الميدان مع حلفائها من الحركة الوطنيّة اللبنانيّة.
ولم تكن الصحافة الأمريكيّة محايدة، فقد وصف المراسل توماس فيردمان القصف الإسرائيليّ بأنَّه: "عشوائيّ" لكن المحرّرين في جريدة نيويورك تايمز حذفوا هذه الكلمة "المزعجة" من مقالته.
واستمرَّت هذه الحرب القذرة، حتَّى أُجبرت منظمة التحرير الفلسطينيّة على الموافقة على إخلاء بيروت تحت ضغط هائل من إسرائيل والولايات المتَّحدة الأمريكيّة، وفي غياب دعم جاد من الحكومات العربيّة. وعلى الرغم من التحالف القذر بين إسرائيل وأمريكا، إلَّا أنَّ الأسوأ من ذلك والأشد دناءة في تلك الحرب كان هو خضوع قيادات الأنظمة العربيّة للضغط الأمريكيّ. ومع أنَّ إسرائيل كانت هي التي قامت بالقتال وتكبّدت الخسائر، إلَّا أنّ منظّمة التحرير تأكّدت من أنَّ الخصم في ميدان القتال كان مدعومًا بقوّة عظمى من ورائه منذ البداية.
وفي النهاية تمَّ انسحاب آلاف المقاتلين من قوّات منظمة التحرير الفلسطينيّة من بيروت في 21 أغسطس عام 1982م، وقد رافقه اصطفاف الجماهير التي تبكي وتغنّي وتزغرد. وتمَّ اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل زعيم القوّات اللبنانية في 14 سبتمبر من العام نفسه في انفجار ضخم دمَّر المكتب الرئيس للكتائب. وعلى الرغم من معرفة أمريكا أنَّ إسرائيل تستخدم أسلحة محرّمة دوليًّا وتقتل المدنيّين والأبرياء، إلَّا أنَّها كانت تغضّ الطرف عن ذلك أو إنَّها كانت تتظاهر بأنَّها لم تر ولم تدر.
وبعد انتهاء الحرب عادت الحياة تدريجيًّا إلى بيروت، ووثق المؤلف رشيد الخالديّ لحظات ولادة ابنه إسماعيل في مدينة بيروت، على يد الدكتور نفسه الذي قام بمساعدة زوجته في ولادة ابنتهما.
وكانت النتائج السياسيّة لحرب 1982م هائلة، وأدت إلى تغييرات إقليميّة كبيرة، أثّرت على الشرق الأوسط حتَّى هذا اليوم. وكان قادة منظمة التحرير الفلسطينيّة غاضبين بسبب خيانة الولايات المتَّحدة التي فشلت في حماية المخيَّمات.
ووُلد حزب الله في رحم المأساة اللبنانيّة، حيث أصبح عدوًّا قاتلًّا للولايات المتَّحدة وإسرائيل.
ونقل رشيد الخالديّ التحليلات السائدة بشأن حصار بيروت وشراكة الولايات المتَّحدة مع إسرائيل في مجازرها في لبنان، من مجموعة فرضيّات، إلى مستوى آخر يقوم على أدلّة ووثائق الأرشيفَين الأميركيّ والإسرائيليّ. فقد وافق وزير الخارجيّة الأميركيّ ألكسندر هيغ (1981م – 1982م)، على مخطط آريئيل شارون العسكريّ لإنهاء وجود منظَّمة التحرير الفلسطينيّة في لبنان، وكان هذا هو الهدف الأساس من اجتياح مدينة بيروت.
وكشف أيضا عبر الوثائق أنَّ صور القصف وآثار مجزرة صبرا وشاتيلا التي جابت العالم، لم تؤثّر في استمرار دعم الولايات المتَّحدة لإسرائيل، فهذه الخسائر والمجازر عدَّت مبرّرةً لحكومتَي الاحتلال والولايات المتَّحدة، وكما يظهر في مراسلة مناحيم بيغن للرئيس الأميركيّ رونالد ريغان إذ كان الأوَّل يساوي بين عرفات وهتلر، قائلًا:
"إذا كان عرفات مثل هتلر، فإنَّ قتله مسموح به ومبرّر، مهما كانت الخسائر في أرواح المدنيّين".
ولا يتجاهل الخالديّ نقد سلوك منظَّمة التحرير وفصائلها، سواء في عمان أو في بيروت؛ ففي الأخيرة يرى أنَّ المنظَّمة لم تُول الجبهة الداخليّة اللبنانيّة المتضامنة معها اهتمامًا كافيًا ممّا أدَّى إلى تآكل شرعيّتها في الداخل اللبنانيّ، وأضعف موقفها في أثناء مفاوضات الانسحاب من بيروت.