الفصل العاشر: (موضوعات ومواقف قرآنية)

هذا الفصل خصصه المؤلف لبحث ما يميز القرآن عن عبقرية الإنسان، وتضمن العناوين التالية:

إرهاص القرآن، ما لا مجال للعقل فيه، فواتح السور، المناقضات، الموافقات، المجاز القرآني، والقيمة الاجتماعية لأفكار القرآن.

قال تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: ٤ و٥] ولكن ما وزن هذا القول الثقيل؟.. إنه القرآن كله عندما يكتمل في مدى ثلاث وعشرين سنة، أي عندما نزل أمين الوحي للمرة الأخيرة، كيما يختم الوحي على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذلك الثقل؟!! إنه ثقل الفكرة الدينية والتجربة الخلقية، ثقل الإيمان المضطرم لدى ربع الإنسانية الآن، وهو أيضا - في ميزان التاريخ - ثقل تلك الحضارة الإسلامية التي كانت خاتمة لدورة الحضارات.

فواتح السور: في القرآن سور كثيرة تبلغ تسعا وعشرين، لا تبدأ بكلمة مفهومة، بل برموز أبجدية بسيطة، فسرها المفسرون بتأويلات مختلفة، وقد بحثت فيها عقلية العصور المتأخرة عن إشارات بعيدة المدى في التاريخ الإنساني. وأيا ما كان الأمر فإن معنى هذه الفواتح المبهمة - إن كان فيها إبهام - يقف أمام عقولنا سدا محكما.

ومن أهم الأفكار التي قررها المؤلف في هذا الفصل، أن الدين في ضوء القرآن يبدو ظاهرة كونية، تحكم فكر الإنسان وحضارته كما تحكم الجاذبية المادة، وتتحكم في تطورها. والمجاز القرآني ليس دائما ولا غالبا انعكاسا للحياة البدوية في الصحراء، فهو يستمد عناصره وألفاظه وتشبيهاته من بيئات ومشاهد مختلفة، فالأفكار المتصلة بالنبات كالشجرة وأنواع الرياض تصور لنا طبيعة أرض كثيفة الزرع، طيبة الهواء، أكثر من أن تصور أرض الصحراء القاحلة الرملية. والأنهار التي تخترق المروج الخضر تذكرنا بالأرض الخصبة على ضفاف النيل أو الفرات. فالدين ظاهرة كونية تحكم فكر الإنسان وحضارته، كما تحكم الجاذبية المادة، وتتحكم في تطورها. فالدين جزء من النظام الكوني، حيث يمثل قانونا من قوانين الحياة؛ ينظمها، ويسير الأمور فيها.

مشكلة الخمر: للمرة الأولى في التاريخ الإنساني تحل مشكلة الخمر بطريقة معينة، فكيف كان ذلك؟؛ ها هو ذا التخطيط النفسي والتشريعي لهذا القرار الذي حدث للمرة الأولى في تشريع أحد المجتمعات الإنسانية: أولا قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} [ البقرة: 219]، وهنا وقفة أولى.

وثانيا: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [ النساء: 43]، وهذا هو الموقف الثاني.

وثالثا: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90] هذا هو المسلك الشرعي الذي اتبعه القرآن من أجل أن يواجه مشكلة الخمر الخطيرة ويحلها، فما هو أثر هذا التشريع؟..

إن الإحصاء في البلاد الإسلامية، حتى المتدهورة منها، يدلنا على قلة تعاطي الخمر فيها، بينما تعاني الإنسانية منها - بكل أسف - في البلاد المتحضرة، فالعالم الإسلامي بوجه عام يجهل منذ ثلاثة عشر قرنا هذه النكبة، فكيف أحرز تحريم الخمر في القرآن هذا النجاح؟.. إنه المنهج الرباني دون أدنى شك، ذلك الذي عرضناه عرضا تخطيطيا ينتهي بأمر شرعي صارم. والواقع أن النص الأول يثير آثام الخمر في الضمير المسلم فحسب، وقد كانت هذه هي الطريقة المتحفظة لإثارة المشكلة وتسجيلها بصورة ما في عداد الهموم الاجتماعية لمجتمع ناشئ، وبهذه الطريقة أمكن للمشكلة أن تشق طريقها في ضمير الصفوة المختارة، في هذا المجتمع الذي يحكمه الدافع الخلقي.


الظاهرة القرآنية
الظاهرة القرآنية
مالك بن نبي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00