تحدث فيه المؤلف عن مبدأ النبوة، وخصائص النبوة. وبين من خلال الفصل الطبيعة البشرية والنفسية لظاهرة النبوة عموما، فالأنبياء يمثلون الإنسان في أسمى حالات كماله البدني والخلقي والعقلي، إنهم صفوة الخلق، وهم أصحاب مبادئ ومثل عليا. والتاريخ الإسرائيلي في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد لم يكن فترة ارتقاء روحي، بل فترة تدهور خلقي وديني، ناتج عن الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، وهذا التدهور هو على وجه التحديد موضوع دعوة الأنبياء الذين لم يأتوا ليعلنوا وعد البشارة والغفران، بل ليبلغوا وعيد العقوبة والبلاء.
تحدث فيه مالك عن مصادر دين الإسلام، وقرر في هذا الفصل نقطتين رئيستين: الأولى: أن الإسلام هو الدين الوحيد بين جميع الأديان الذي ثبتت مصادره منذ البداية، على الأقل فيما يختص بالقرآن. والثانية: أن القرآن خلال تاريخه لم يتعرض لأدنى تحريف أو تبديل، وليست هذه حال العهدين القديم والجديد. ولقد امتاز القرآن الكريم بميزة فريدة هي أنه تنقل منذ أربعة عشر قرنا، دون أن يتعرض لأدنى تحريف أو شك، وليست هذه حال العهد القديم (التوراة) التي أنكرت صحتها الدراسات النقدية فيما بعد.
كما امتاز بالوعد الإلهي بحفظ القرآن الكريم : قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9]، فإن لهذا الحفظ تاريخه: فكلما كان الوحي يتنزل، كانت آيات القرآن تثبت في ذاكرة الرسول وصحابته، وتسجل فورا بأيدي أمناء الوحي، فقد كانوا يستخدمون من أجل ذلك كل ما يصلح للكتابة كعظام الكتف وقطع الجلد . . . إلخ، حتى إذا قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن محفوظا في الصدور، مدونا في الصحف. وفي المرحلة التالية اختار الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه لجنة يرأسها زيد بن ثابت الذي كان أمينا للوحي على عهد الرسول، وقد كتبت اللجنة القرآن منظما لأول مرة، ثم تم اختيار لجنة أخرى على رأسها زيد أيضا، ومهمتها أن تثبت النص القرآني نهائيا في لغة واحدة؛ حتى لا يتسبب تنوع اللهجات في إحداث الشقاق والتدابر في المجتمع الإسلامي، وأنهت اللجنة عملها عام خمسة وثلاثين هجريا.
ومصادر الإسلام (القرآن والسنة) صالحة لأن تستخدم وثيقة تاريخية مطلقة الصحة؛ والحديث النبوي الشريف على الرغم من اختلافه في درجة الصحة، إلا أن العلماء المحدثين المنزهين عن الكذب والغش والتدليس، كالبخاري ومسلم اتخذوا أشد التدابير لمواجهة الغش والتدليس فيه، وبهذه الاحتياطات يصبح المصدران اللذان يستخدمهما الباحثون في الإسلام صحيحين على السواء.