يحاول المؤلف من خلال هذا الفصل أن يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم من خلال الوحي، كان بحاجة إلى التثبت من مقياسين يدعم بهما اقتناعه: أحدهما مقياس ظاهري للتحقق من وقوع الظاهرة، وهذا مقياس ذاتي محض، يقتصر على ملاحظة وجود الوحي خارج الإطار الشخصي. والآخر مقياس عقلي لمناقشتها، وهذا مقياس موضوعي، يقوم على المقارنة الواقعية بين الوحي المنزل، وما ورد من تفاصيل محددة في كتب اليهود والنصارى.
ينطلق المؤلف في معالجته لظاهرة الوحي من منهج تحليلي، فيحلل خطاب جبريل للرسول، بقوله: {اقرأ} [العلق: 1]، وجوابه صلى الله عليه وسلم: (ما أنا بقارئ). وينتهي المؤلف من معالجته لهذا الفصل إلى نتيجة مهمة هي أن القرآن الكريم هو الذي أسهم في تشكيل شخصية النبي، وعلى الرغم من ذلك فهناك فصل قاطع بين الذات المحمدية، والوحي القرآني، فالعبارة القرآنية: (آيات القرآن وسوره) لها نسق وجرس تعرفه الأذن، ولها هيئة تركيبية وألفاظ خاصة، فليس من الخطأ أو الغلو في شيء أن يقال: إن الأسلوب القرآني معجز، لا يتسنى لأحد الإتيان بمثله.
في هذا الفصل يفند المؤلف قول الذين يريدون أن يفسروا الظاهرة القرآنية وفق نظرية (اللاشعور). ونظرية اللاشعور مؤداها أن (اللاشعور) هو هذا المجال المظلم، بجميع العمليات التي تتم فيه أشكال (محورة) خاصة لفكرة أو واقع مر بالشعور، فيمتص اللاشعور هذه العناصر الشعورية، ويودعها مخيلته لكي يقلبها غالبا إلى رموز؛ إلى أحلام، أو إلى حديث نفسي، أو إلى إلهام.