التطهيرُ العرقيُّ في يونيو عامَ 1967
تقليص عدد السكَّان
كان لسياسات حزب العمل أثناء احتلال إسرائيل جانبٌ شرِّيرٌ، حيث أدَّى المشروع الاستيطانيُّ الاستعماريُّ الصهيونيُّ إلى تهجير السكَّان المحلِّيِّين واستبدالهم بالبساتين. ومع ذلك تمَّ استبعاد خيار التطهير العرقيِّ على نطاقٍ واسعٍ بسبب الظروف الخاصَّة بعد الحرب. ونفذَّت إسرائيل عمليَّات تطهيرٍ عرقيٍّ في المناطق التي احتلَّتها عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (1967م)، مستهدفةً سكَّان الحيِّ اليهوديِّ القديم في البلدة القديمة.
وفي الثامن عشر من يونيو (18) عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (1967م)، تمَّ طرد أولئك الذين رفضوا المغادرة طوعًا. ونشرت صحيفة هآرتس تقريرًا موضوعيًّا عن الخبر، لكنَّ كبير المراسلين العسكريّين للصحيفة ردَّد الدعاية الحكوميَّة، في إشارة إلى "المغادرة الجماعيَّة الطَّوعيَّة" التي بدأها الفلسطينيُّون من القدس عبر جسر النبيِّ المدمَّر. ويستمرُّ هذا الحديث المزدوج في التغطية الإعلاميَّة الإسرائيليّة حتَّى اليوم؛ حيث ينقل بعض الصحفيِّين حقيقة الاعتداءات والانتهاكات، بينما يقوم البعض الآخر بتشويه الحقيقة.
وأعرب الدبلوماسيُّون والصحفيُّون الأجانب عن قلقهم بشأن تعامل الإسرائيليّين مع اللاجئين الفلسطينيِّين، ممَّا أدَّى إلى استخدام لغةٍ مضلِّلة وعمليَّات طردٍ. وقد ناقش رئيس الوزراء الإسرائيليّ حاييم هرتزوغ وغيره من أعضاء البرلمان البريطانيّ خَلق مشكلة جديدة للَّاجئين، لكنَّ الحكومات الغربيَّة تجاهلت هذه التقارير. وفي عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (1967م) طالبت إسرائيل بتعويضٍ عادل للفلسطينيِّين المطرودين وإعادتهم إلى قرية سلوان الفلسطينيَّة.
إلَّا أنَّ الحكومة الإسرائيليّة لم تنجح في إخلاء القرية منذ 19 يونيو عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (1967م)، وقد قام الأردن ببناء سبع مخيَّمات جديدة للَّاجئين لاستيعاب تدفُّقِ الفلسطينيِّين المطرودين. وشهد قطاع غزَّة أيضًا مزيجًا من عمليَّات الطرد وعمليَّات الاستيطان، حيث أجبر الجيش الإسرائيليّ المئات من سكان غزَّة على الانتقال إلى مصر. ورفض وزير العدل يعقوب شمشون شابيرا الطرد الجماعيَّ في عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (1967م)، مشيرًا إلى أنَّه لا ينبغي اقتلاع الفلسطينيِّين من أراضيهم وطردهم إلى العراق.
وقد تمَّ توثيق موجة الفظائع التي ارتُكِبت خلال الأيَّام الأولى للاحتلال الإسرائيليّ للضفَّة الغربيَّة وقطاع غزَّة إلى حدٍّ كبير من خلال السجلَّات الحكوميَّة وأرشيفات الأمم المتَّحدة. وتبرز خمس حالات مروِّعة: تدمير المنازل في قلقيلية، وتهجير السكَّان من طولكرم، والتهجير الجماعيِّ لنحو خمسين ألف شخص من منطقة أريحا، وتدمير ثلاث بلدات في منطقة النطرون، وقريتين في منطقة الخليل. وقد أعدَّ مكتب الأمينِ العامِّ للأممِ المتَّحدة تقريرًا يُدرج هذه الفظائع وغيرها في عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وواحدٍ وسبعين ميلاديًّا (1971م). وبعد أربع سنوات من الاحتلال جمعت المنظَّمة الدوليَّة ما يكفي من الأدلَّة لنشر تقريرٍ بعنوان اللجنة الخاصَّة للتَّحقيق في الممارسات الإسرائيليّة التي تمسُّ حقوق الإنسان؛ من السكَّان.
وقد عَدَّت الحكومة الإسرائيليّة السلطةَ المطلقةَ التي يتمتَّع بها حرَّاس السجن الكبير الجديد الذي أنشأته إسرائيل في عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (1967م) أمرًا مفروغًا منه. وكانت الأحداث التي وقعت في قلقيلية أقلَّ أهمِّيَّةً في سياق إستراتيجيَّة إسرائيل الشاملة للإجراءات العقابيَّة، وسوف تتِمّ مناقشتها لاحقًا من منظورٍ أوسعَ ولوقائعَ أكثر وفظائعَ تقشعِرُّ لها الأبدان.
في الطريقِ نحوَ الانتفاضةِ 1977م - 1987م
في عام 1975م، وعد مناحيم بيغن، زعيم حزب الليكود، بعدم إعادة الأراضي التي احتلَّتها إسرائيل عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (1967م).
إلَّا أنَّه تنازل لاحقًا عن بعض الأراضي، بما في ذلك شبه جزيرة سيناء، عقب زيارة الرئيس السادات للقدس. واستولى حزب الليكود على السلطة عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وسبعين ميلاديًّا (1977م)، ووعد بضمِّ الضفَّة الغربيَّة وقطاع غزَّة إلى إسرائيل. وصوَّت معظم ناخبيها، ومعظمهم من اليهود الشرقيِّين، لصالح حزب الليكود لتحسين ظروفهم الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، لكنَّه استمرَّ في فرض السيطرة دون ضمِّ.
عهدُ المستوطنين: 1977م - 1987م
إنَّ الاستيطان في فلسطين قبل عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (1967م) وبعده يشكِّل استمراريَّةً واضحةً، حيث إنَّ الدافع وراء الضفَّة الغربيَّة وقطاع غزَّة هو نفس التطهير العرقيِّ الذي قامت به القيادة الصهيونيَّة في عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وثمانيةٍ وأربعين ميلاديًّا (1948م). وقد لعب المنظِّرون في الحركة العُمَّاليَّة الصهيونيَّة دورًا حاسمًا في السماح لليهود بالاستيطان.
الاستيطان في الأراضي المحتلَّة بعد عام ألفٍ وتِسعِمِئةٍ وسبعةٍ وستِّين ميلاديًّا (1967م)
اشتدَّ تركيز حزب الليكود على المشاكل الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة للجماعات اليهوديَّة المهمَّشة والمتطرِّفة، والتزامه بإسرائيل الكبرى لخلق التأثير الخاصِّ الذي كانت تتمتَّع به الحكومة الجديدة على خلفيَّة تهويد الضفَّة الغربيَّة. وسُمِحَ لليهود المتطرِّفين بإنشاء جيوب للتطرِّف الدينيِّ تكون مستقلَّةً ولا تعترف بقوانين دولة إسرائيل ولا معاييرها الثقافيَّة. وقد سمح لهم ذلك بإنشاء كياناتهم الدينيَّة الخاصَّة، وهو أمر كان مستحيلًا داخل الدولة اليهوديَّة الأكثر علمانيَّة.
وتطوَّرت المستوطنات إلى جنَّة ضريبيَّة عبر الحدود، مع توظيف العمالة الفلسطينيَّة الرخيصة وخفض الضرائب. وقد منحتهم حكومة الليكود تخفيضات ضريبيَّة خاصَّة ودعمًا لجميع جوانب الحياة في هذه المستوطنات؛ ممَّا أدَّى إلى نوعٍ من الازدواجيَّة. فمن ناحية أصبح الاستيطان الوسيلة الرئيسة لتقليص الوجود الفلسطينيِّ في الأراضي المحتلَّة.
ومن ناحية أخرى قام بعض العناصر في هذه الطوائف الدينيَّة المتطرِّفة بإنشاء دولة داخل الدولة؛ ممَّا ترك بصمةً على الطبيعة العلمانيَّة للدولة. وقد كان الاختلاف الرئيس عن العقد الماضي هو حرِّيَّة العمل التي منحتها حكومة الليكود للمستوطنين القوميِّين المتديِّنين، والذين لم يُعَدُّوا متعصِّبين على المستوى الأيديولوجيِّ.