• "إنّ الإنسان دائمًا في حاجة إلى الإيمان والتديّن والعقيدة، وإنّ الدين ضرورة من ضرورات حياته، وحاجة من حاجات نفسه، فلا غنًى له عن الإيمان بربّه وعن عبادته بحالٍ من الأحوال، ومن هنا لم تخل أمّة وُجدت على وجه الأرض، ومنذ عهد الإنسان بالحياة، من عقيدة ودين".

 

  • " إنّ العلم الماديّ مقصورٌ على نفع الإنسان في الجانب الماديّ منه، وهو الجسم ومتطلّباته، وأمّا الجانب الروحيّ، وهو الأهمّ قطعًا، فإنّ العلم الماديّ لم يخدمه في شيء، ولم يُقدّم له أيّ نفع البتّة، لأنّه لم يكن روحيًّا مجانسًا للروح فيقدّم لهُ ما هو في حاجة إليه".

 

  • "وللإيمان فرائض وشرائع، من استكملها فقد استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وترك الصلاة كفر، ليس شيء من الأعمال تركه كفرٌ إلّا الصلاة، من تركها كسلًا وهو يعتقد وجوبها، يُكفّر كفرًا عمليًّا لا يخرجهُ من الملّة - على تفصيل في المسألة - وأمّا من ضيّع الأعمال كلّها التي بعدها، فهو مؤمن عاصٍ ناقص الإيمان، لا يُكفَّر".

 

  • "وكلّما كان توحيد العبد أعظم، كانت مغفرة الله له أتمّ، فمن لقيهُ لا يشرك به شيئًا البتّة، غفر له ذنوبه كلّها كائنة ما كانت، ولم يُعذّب بها، ولسنا نقول: إنّه لا يدخل النّار أحدٌ من أهل التوحيد، بل كثير منهم يدخل بذنوبه، ويُعذَّب على مقدار جرمه ثمّ يخرج منها، ولا تنافي بين الأمرين لمن أحاط علمًا".

 

  • "يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة: لا تصحُّ الطاعة من أحدٍ إلَّا مع الإيمان، فيمتنع أن يكون أحد فعل شيئًا من الإسلام إلَّا وهو مؤمن، ولو كان ذلك أدنى الطاعات، أو فعل واحدة منها، وذلك لا يصحّ كلّه إلّا مع الإيمان، فلا بُدَّ وأن يسبق الإيمان الإسلام في صورته الأولى المتمثّلة في التصديق القلبيّ، فيكون بمثابة الدخول على الطاعات والأعمال الصالحة والتشريعات الإسلاميّة، فهذا يُسمى (مطلق الإيمان). فإذا كان القلب صالحًا بما فيه من الإيمان علمًا وعملًا قلبيًّا، وألزم الجسد بالقول الظاهر والعمل بأحكام الإسلام، وصل إلى درجة (الإيمان المطلق) أو (الإيمان الحق)".

 

  • "ذلك أنّ الإيمان والكُفر محلّهما القلب، ولا يطّلع على ما في القلوب غير الله سبحانه، وليست كلّ القرائن الظاهرة تدلّ على ما في القلب، فأكثر دلالتها ظنّيّة، والإسلام نهى عن اتّباع الظنّ في أكثر من نصٍّ في القرآن والسنّة، وطلب الحُجّة والبرهان على الدعوى، وبخاصّة في العقائد".

 

  • " لا بُدّ أن يُحدّد المُسلم موقفهُ من أعداء الله، وأعداء دينه، من الكفار والمشركين والمرتدّين، ويتبيّن الحدّ الذي يجب أن يقف عنده المسلم ولا يتجاوزه، من أجل الحفاظ على دينه وإيمانه في معاملتهم وبناء العلاقات معهم، وهو الحدّ الذي لا يُفهم من الوقوف عنده، الموافقة على دينهم والرضا عن كفرهم، فإذا تخطّى المسلم هذا الحدّ، ودخل في طاعة الكفار، وأظهر الموافقة على دينهم الباطل، وأعانهم عليه بالنصرة والمال، ووالاهم، وقطع الموالاة مع المسلمين، ورفع علاقته معهم على علاقته مع المسلمين، وضحّى بالثانية من أجل الأولى، فقد صار منهم وارتد عن دينه، وكان كافرًا من أشدّ الناس عداوة لله تعالى ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يُستثنى من ذلك إلَّا المُكره، وهو الذي يقع تحت سلطان الكفار فيأمرونه بطاعتهم في باطلهم، ويُهدّدونه بالقتل أو يشرعون في تعذيبه، فيجوز له عندئذٍ فقط الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان".

 

  • "وخلاصة الأمر، أنّ موقف المسلم من تشريع الله عزَّ وجلَّ هو الرضى والتسليم، سمعنا وأطعنا، هذا شعار المسلم دائمًا، ولا بأس أن يسأل عن الحكمة ويتعلّمها، لأنّ ظهور حكمة التشريع تزيد المؤمن إيمانًا، وتُقوّي صلته بربّه جلّ وعلا، وشتّان بين أن يكون هناك تلمّس لحكمة التشريع، وبين أن يكون هناك اعتراض على حكمة التشريع".

 

  • "وكذلك الكُفر ذو أصل وشعب، فكما أنّ شُعب الإيمان إيمانٌ، فشُعب الكُفر كُفرٌ، والحياء شعبة من الإيمان، وقلّة الحياء شعبة من شعب الكُفر، والصدق شعبة من شعب الإيمان، والكذب شعبة من شعب الكُفر، والصلاة والزكاة والحجّ والصيام من شعب الإيمان، وتركها من شعب الكُفر، والحُكم بما أنزل الله من شعب الإيمان، والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكُفر، والمعاصي كلّها من شعب الكُفر، كما أنّ الطاعات كلّها من شعب الإيمان".

 

  • "فلا يُسمّى تارك الصلاة مسلمًا ولا مؤمنًا، وإن كان معه شُعبة من شعب الإسلام والإيمان. نعم، يبقى أن يُقال: فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النار؟ فيقال: ينفعه، إن لم يكن المتروك شرطًا في صحّة الباقي واعتباره، وإن كان المتروك شرطًا في اعتبار الباقي، لم ينفعه، ولهذا لم ينفع الإيمان بالله ووحدانيّته، وأن لا إله إلّا هو، من أنكر رسالة محمّد ليلة، ولا تنفع الصلاة من صلّاها عمدًا بغير وضوء، فشعب الإيمان قد يتعلّق بعضها ببعضٍ، تعلّق المشروط بشروطه، وقد لا يكون كذلك.

 يتبقى النظر في الصلاة هل هي شرط لصحّة الإيمان؟ هذا سرّ المسألة".

 

  • كلمة "لا إله إلَّا الله" اشتملت على كُفر وإيمان، ولا يصحّ الإيمان إلَّا بعد الكُفر. ولكن الكُفر بماذا؟إنّه الكُفر بكلّ ربٍ باطل، وإلهٍ زائف، الكُفر بكلّ طاغوتٍ عُبدَ من دون الله، وبكلّ عبادةٍ لغير الله. فهذا يجب الكُفر به ونفيه والتخلّي عنه، حتى يتسنّى بعد ذلك الإيمان بالإله الواحد الحقّ، فهي -أي كلمة التوحيد- تخلية عن كلّ ما سوى الله، وتحلية بالإيمان الله".

 

  • "إنّ الشرك في صُورهِ هو المُحرّم الأوّل، لأنّه يجرّ إلى كلّ مُحرّم، وهو المُنكر الأوّل الذي يجب أن يُحشد الإنكار كلّه له، حتى يعترف الناس أنّه لا إله إلَّا الله، ولا ربّ لهم إلا الله، ولا حاكم لهم إلَّا الله، ولا مُشرّع لهم إلَّا الله، كما أنَّهم لا يتوجّهون بالشعائر لغير الله".

 

  • "ثمّ نقول: ما الميزة التي امتاز بها عيسى عن الخلق جميعهم حتى يكون ابنًا لله؟ فقد عرفنا أنّ الابن فيه كثير من خصائص الأب، فابن الغنيّ يتّضح عليه غنى أبيه، وابن الملك تتّضح عليه علامات الإمارة، وأبناء الرؤساء والملوك، فما الذي امتاز به عيسى حتى يكون ابنًا لملك الملوك، والغنيّ عن العالمين؟  لقد عرفنا عنه كما حدّثنا القرآن أنّه كان بشرًا كبقيّة البشر، وأنّه لم يتميّز عنهم في شيءٍ، حتى فيما يراه الإنسان خسيسة في نفسه وهو : البول والغائط".

 

  • "سُئل واحدٌ من السلف: بم عرفت ربّك؟ فأجاب: عرفتُ ربّي بربّي، ولولا ربّي ما عرفتُ ربّي.

ويقول ابن عطاء الله السكندريّ في هذا المعنى: إلهي كيف يُستدلّ عليك، بما هو في وجوده مُفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المُظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ ".

 

  • "إنّه لمن المستحيل أن يوجد في الكون إلهان، وكيف يكون؟ ونوضّح ذلك بأسلوبٍ آخر، فنقول: إذا أراد الإله الأوّل أن يُحيي عمر مثلاً، وأراد الآخر أن يُميته، فالأمر واحد من ثلاثة: إمّا أنّه لا تنفذ إرادة هذا ولا ذاك، فيكون كلّ منهما عاجزًا، والعاجز لا يصلح أن يكون إلهًا، أو أنّه تنفذ كلمة وإرادة كلّ منهما، فيصبح "عمر" حيًّا وميتًا في آنٍ واحد، واجتماع النقيضين مستحيل، وإمّا أن تنفذ كلمة وإرادة أحدهما، ويعجز الآخر أمامه، فيكون صاحب الإرادة والقدرة هو الإله الحقّ، والآخر عاجز فلا يصلح".

 

  • "إذ كلّ ذرّة فينا نحن البشر، تُنادي بلسان حالها، أنّه ليس وجودها من نفسها ولا حركتها بذاتها، وأنّها تحتاج إلى مُوجدٍ ومحرّكٍ لها، ويشهد بذلك كلّ جزءٍ فينا، وكلّ شيء في الكون حولنا. فماذا يقول المرء في وجود الله الذي لا تُحصى أدّلته لكثرتها، وماذا يقول في أوصافه التي يشهد كلّ شيء بعظمتها؟ إنّ وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وسائر صفاته، يشهد له بالضرورة، كلّ ما نشاهده وندركه بالحواسّ الظاهرة والباطنة".

 

  • "بلغ الجحود والإلحاد قمتهُ في المذهب الماركسيّ، الذي تبنّى ما زعمه نيتشه، أنّ "الدين أفيون الشعوب"، وما زعمه غيره من أنه «ليس الدين إلّا حيلة اخترعها الأغنياء والأدباء، ليلهوا بها الضعفاء والفقراء، ويُمنّوهم بنعيم الآخرة، لينفردوا هم بنعيم الدنيا"٠

وقال كارل ماركس في ذلك: «إنّ الله لم يخلق الإنسان، بل الصواب أنّ الإنسان هو الذي خلق الله، ثمّ جعل له مذهبًا، مبدؤه الأول لا إله، والحياة مادّة".

 

  • "من الذي أقام القمر على هذا المدى المحدود، ليكون مصدر ضوء لا مصدر هلاك؟!  إنّنا على سطح هذه الأرض نستنشق "الأوكسجين" لنحيا به، ونطرد "الكربون" الناشئ من احتراق الطعام في جسومنا. وكان ينبغي أن يستنفذ الأحياء، وما أكثرهم، هذا العنصر الثمين في الهواء، فهم لا ينقطعون عن التنفُّس أبدًا، لكن الذي يقع أنّ النبات الأخضر يأخذ "الكربون" ويعطي "الأوكسجين"، وبهذه المُعاوضة الغريبة يبقى التوازن في طبيعة الغلاف الهوائيّ، الذي يحيا في جوفه اللطيف الحيوان والنبات جميعًا!! أفتحسب هذا التوافق من تلقاء نفسه؟!! 

حقيقة الإيمان - الجزء الأول
حقيقة الإيمان - الجزء الأول
عمر بن عبد العزيز قرشي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00