من أدلّة وجود الله، القول بأنّ كل حادث لا بُدّ له من مُحدِث، ولأنّ هذا الكون حادث، فلا بُدّ له من مُحدِثٍ، فهذا الكون ليس وهمًا أو خيالًا، ولا يُمكن أن يكون قد نشأ من تلقاء نفسه، فلا بُدّ من إله خالق ليس لقدرته حدود، كي يستطيع أن يخلق هذا الكون بكلّ ما فيه من مخلوقات لا حصر لها، فإنّه إذا وقعت حادثة لم يدر فاعلها، قيل: إنَّ الفاعل مجهول، ولم يقل أحد قطّ: إنَّه ليس لها فاعل.
أمَّا الملاحدة، فبعضهم يقول بأنّ هذا الكون وُجد عن طريق الصدفة، ولكن هذه الفكرة الساذجة تتنافى مع إبداع الكون العظيم، وقوانينه الدقيقة التي تُبقينا على قيد الحياة، كالمسافة بين الأرض والشمس مثلًا، التي إن اقتربت أكثر احترقت الكائنات الحيّة على الأرض، وإن ابتعدت قليلًا عمّ الجليد على سطحها. والبعض الآخر من الملاحدة، يقول بأنّ الطبيعة هي من خلقت هذا الكون، رغم أنّها جماد أصمّ بلا عقلٍ أو إرادة، وهو تفسير ضالٌّ وخالٍ من أيّ منطقٍ. ومجموعة ثالثة من الملاحدة تقول بأنّ هذا الكون قد وُجد بالضرورة، فحاجة الزرافة إلى تناول غذائها من الأشجار العالية هي التي جعلت عنقها يطول، وهو تفسير باطل، فما يسمونه ضرورة إنَّما هي عناية الله بمخلوقاته والتي تظهر في كلِّ شيءٍ من حولنا.
لذا، فإنّ شبهات الملاحدة الثلاث والتي هي الطبيعة والصدفة والضرورة، جميعها لا يُمكن أن يخضع لها المنطق، ولا مفرّ من أن يكون الله وحده هو الخالق العظيم لهذا الكون الواسع.
هذا الكون العظيم يتألَّف من حقيقتين، الأولى أنّه خالٍ من أيّ عبث، والثانية أنّه مُسخّرٌ بالكامل لخدمة نوع واحد من المخلوقات وهو الإنسان، والأمثلة على ذلك لا تُعدّ ولا تُحصى، كالإبداع في خلق السموات والأرض، وعظمة الخلق المتمثلة في جسد الإنسان وأعضائه وغيرها من الظواهر التي تدلّ على وجود خالق حكيم مبدع، ليس كمثله شيء.
يسير هذا الكون منذ ملايين السنين بنظامٍ دقيق ومدهش، تبعًا لقوانين ثابتة وموضوعة بإتقانٍ فائق، وجميعها يصرخ باسم الله، كما قال سبحانه (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [سورة الأعلى: الآية ٢].
والتسوية هي إحسان الخلق وإكمال صنعته، فالماء مثلًا سوّاه الله بمعنى أنَّه أحسن خلقهُ، وهيَّأه لأداء وظائفه المختلفة على النحو الأمثل، فكلّ شيء في هذا الكون له حساب وتقدير، وميزان وترتيب، يتلائم مع زمانه ومكانه، ومع غيره من الموجودات. ألا يدلُّ كلُّ ذلك على وجود خالق يُقدّر فيُحسن التقدير، ويُدبِّر فيُحسن التدبير!
الفطرة هي الشعور الطبيعيّ الذي ينبع من أعماق الإنسان بغير تعلُّم ولا تلقين، والإنسان يعلم بفطرته النّقيّة أنَّ الله موجود، وأنّه وحده خالق هذا الكون، فالإيمان قدرٌ مشتركٌ بين جميع الأمم، في جميع عصور التاريخ، ولكن من انحرفوا بفطرتهم عن الطبيعة، هم من خلطوا الأوهام بالباطل، فأفسدوا على أنفسهم دينهم ودنياهم.
لأنّ الدين الصحيح لا يتناقض مع العقل، فهناك عددٌ من الأدلّة الشرعيّة والدينيّة التي نؤمن بها تمام الإيمان، وهي البراهين التي أقامها الله لمعرفته، ويجب العلم بأنّه لا أحد يعرف الله كنفسه سبحانه وتعالى، وأنّ مصدر معرفتنا بالله يجب أن يكون عن طريق كتاب الله وسنّة رسوله.
إنّ القرآن وهو كتاب الله العظيم، حوى من العلوم الإلهيّة والكونيّة والقانونيّة ما لا يمكن لبشرٍ أن يحيط به، فالقرآن الكريم هو معجزة الله الخالدة والذي تحدّى البشر بأن يأتوا بمثلها ولو مجتمعين، وهو دليل على وجود الله وعلى كمال أسمائه وصفاته.
معنى التوحيد هو إفراد الشيء ونفي التعدُّد عنه، والتوحيد في الشرع هو نفي المثل والشريك عن ذات الله وصفاته، وضدّه الشرك، والذي قد يكون شركًا في أسماء الله أو ربوبيته أو صفاته أو عبادته، ولذلك لا عُذر بالجهل في أصل التوحيد، كأن يعتقد العبد أنّ مع الله إلهًا آخر أو أنّ له ابنًا وزوجةً، أو أن يجعل لله شبيهًا أو كفؤًا من عباده.
توحيد الربوبيّة
كلمة الربّ في اللغة العربيّة يندرج تحتها عدّة معانٍ، فالربّ هو المعبود، والربوبيّة هي العبوديّة، والعبادة هي الطاعة مع الخضوع، فالعبادة لا تكون إلّا لله، ولكنّ الطاعة كلمة مشتركة، فالطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر. إذن توحيد الربوبية لا بُدّ من أن يكتمل بالتحلّي بالعبوديّة، فكلاهما ضروريّ حتى يتحقّق تمام التوحيد.
توحيد الألوهيّة
حينما نقول في اللغة العربية أَلِهَ الرجل إلى فلان، فذلك يعني أنّه سكن إليه واطمئنّ، أو استجار به واتّجه إليه، وهي كلّها من خصائص الذات الإلهيّة، فحينما نقول لا إله إلَّا الله، فكأنّنا نقرّ بأنّه لا مُطمَئنّ إليه ولا مُستجار به ولا محبوب ولا معبود إلَّا الله.