4- الإيمان بأسماء الله وصفاته

من أركان الإيمان بالله تعالى، الإيمان بأسماء الله وصفاته، فلا يُمكن لأحدٍ أن يعبد الله حقَّ عبادته، حتى يكون على علمٍ بأسماء الله وصفاته؛ قال تعالى: (وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ) [سورة الأعراف: الآية ١٨٠].

ودعاؤنا الله بأسمائه الحسنى يكون على هيئة دعاء مسألة، مثلما نقول يا غفور اغفر لي، ودعاء عبادة وهو أن نتعبّد لله بمقتضى هذه الأسماء، فنتوب إليه لأنّه توّاب، وهكذا.

قام منهج السلف الصالح في الأسماء والصفات، على إثبات ما أثبته الله لنفسه في القرآن، وعلى لسان رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم دون تحريفٍ أي تغيير المعنى، ودون تعطيلٍ أي إنكارٍ لأيٍّ من صفاته، ودون تكييفٍ أو تمثيلٍ أي بدون إثباتٍ لكيفيّة الصفة ما لم يذكرها الله، كأن نقول إنّ يد الله مثل يد الإنسان مثلًا، وهو الشيء الذي لم يذكرهُ الله.

تنقسم صفات الله عزّ وجل إلى:

  1. صفات ثبوتيّة، وهي التي أثبتها لنفسه كالحياة والعلم والسمع والبصر، وهي كثيرة في الكتاب والسنّة.
  2. صفات سلبيّة وهي التي نفاها الله عن نفسه كالظلم والتعب والولادة، وهي قليلة العدد.

ويجب علينا الإيمان بما دلّت عليه الصفة السلبيّة من نهيٍ، وإثبات ضدّه، فمثلًا علينا أن نؤمن بانتفاء الظلم عن الله وثبوت ضدّه، أي نؤمن بأنّ الله ليس بظالمٍ، وأنّ من صفاته أيضًا صفة العدل.

صفات الله الذاتيّة

من صفات الله الذاتيّة الثابتة، الوجه واليد والعين، وهي كلّها لها حقائق على الوجه اللائق بها، ولا يجوز أن نُعطيها تفسيرًا آخر بغير ما ذكر الله تعالى، فهو من قال في كتابه الكريم: (وَیَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَـٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ) [سورة الرحمن: الآية ٢٧]، وقال أيضًا: (بَلۡ یَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ یُنفِقُ كَیۡفَ یَشَاۤءُۚ) [سورة المائدة: الآية ٦٤]، وقال عزَّ وجلَّ (فَإِنَّكَ بِأَعۡیُنِنَاۖ) [سورة الطور: الآية ٤٨]، فلا يجوز أن نقول إنّ وجه الله كناية عن الثواب، أو إنّ يد الله المقصود بها القوّة، أو إنّ العين تعني الرؤية أو العلم، فكلّ ذلك مُخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف.

والسمع أيضًا من صفات الله الذاتيّة، وهو يعني الإجابة كما في قوله تعالى: (إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ) [سورة إبراهيم: الآية ٣٩كما يعني أيضًا إدراك المسموع كما في قوله تعالى: (قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِی تُجَـٰدِلُكَ فِی زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِیۤ إِلَى ٱللَّهِ) [سورة المجادلة: الآية ١].

والرؤية التي تعني البصر أو العلم، هي أيضًا من صفات الله الذاتيّة الثابتة، وكذلك الكلام، كما في قوله تعالى: (وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِیمًا) [سورة النساء: الآية ١٦٤ والقدم أيضًا ثابت لله تعالى، فقد فسّر النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قوله سبحانه: (یَوۡمَ یُكۡشَفُ عَن سَاقٍ وَیُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا یَسۡتَطِیعُونَ) في [سورة القلم: الآية ٤٢]، بأنّ ربنا سيَكشف عن ساقه فيسجد له كلّ مؤمن.

أمّا الصفات الفعليّة لله فهي كثيرة، مثل محبّة الله، ومغفرته ورحمته ورضاه، وغضبه ومقته، وفرحه وعَجبه وغيرها الكثير.

صفات العلوّ، الاستواء، والمعيّة

إنّ الإجماع على عُلوّ الله معلومٌ بين السلف، والعُلوّ هنا يعني أنّ الله بذاته فوق خلقه، وأنّه ذو قدرٍ عظيم لا يتساوى مع أحدٍ من خلقه، وأنّ الله تعالى قهر جميع مخلوقاته، فلا يمكن لأحدٍ أن يخرج عن سلطانه. أمّا معنى استواء الله على عرشه، فهو استقراره عليه كما في قوله: (ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ) [سورة طه: الآية ٥]، ونحن نجهل كيفية حدوث ذلك، ولكنَّنا نؤمن بأنّه حقيقيٌّ ومُثبت.

أمّا المعيّة فهي تعني المقارنة والمُصاحبة، كما في قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡ) [سورة الحديد: الآية ٤]، وهناك معيّة عامّة من الله لجميع الخلق، ومعيّة خاصة للرسل وأتباعهم، ولا يوجد منافاة بين علوّ الله ومعيّته، فالله ليس كمثله شيء، وهو بكلّ شيءٍ مُحيط، كما أنّ قُرب الله قرب حقيقيّ، فإذا قال الله تعالى إنّه استوى على العرش، وإنه معنا، وإنّه قريب، فجميع ذلك حقّ.

أمّا معنى كون الله في السماء، ففي هنا تعنى على، أي فوق السماء، فقد أجمع أهل السنّة والجماعة على أنّ الله تعالى فوق سمواته على عرشه.

توحيد الذات والأسماء والصفات

إنّ توحيد الذات يعني أنّ الله واحدٌ في ذاته، ليس مُتعددًا ولا مُركَّبًا من أجزاء، وفي ذلك ردٌ على ضلالات المُشركين، وعبدة الأصنام، وكُفر اليهود، وشرك النصارى، الذين جعلوا لله ابنًا، وجعلوه هو نفسه الله أيضًا.

يعتقد فلاسفة الصوفيّة وعلى رأسهم ابن عربي والحلّاج وابن الفارض، في نظريّة الاتّحاد والحلول، والتي تعني أنّ الله قائم في ذاته، ولكنه يحلُّ في الإنسان، ويحلّ فيما شاء أو يتَّحد بأيّ شيءٍ شاء، ولكن ذلك انتهى بهم إلى منزلق الكُفر والإلحاد، فيقول ابن عربي في أبياته مثلًا:

فيحمدني وأحمدهُ                   ويعبدني وأعبدهُ

وهذا المذهب الباطل الموجود بكلّ كتب الصوفيّة، يترتّب عليه أنّه لا فارق بين الخالق والمخلوق، وأنّه يجب عبادة كلّ شيء، وأنّه لا فرق بين حقّ وباطل، أو إسلام وكفر، لأنّه من عبدَ صنمًا أو حجرًا أو إنسانًا فقد عبد الله.

والمقصود بتوحيد الأسماء هنا أنّ المُسمّى واحد فقط حتى وإن تعدَّدت الأسماء، وهي الأسماء الحُسنى لربِّ العالمين وحده عزّ وجلّ، والتي لا تدلّ على تعدّد ولا كثرة، وإنّما تدلّ على صفات الله كالرحمة والعزّة والحكمة وغيرها. أمّا توحيد الصفات، فهي الصفات التي وصف بها الله عزّ وجلّ نفسه، وهي إمّا صفات ذاتيّة كالسمع والبصر والعلم، والتي اشتقّت منها أسماؤه السميع والبصير والعليم، أو صفات فعليّة كالاستواء والنزول والعجب ممّا ورد في القرآن.

فلمّا تشابهت تلك الصفات بين الخالق عزّ وجل وبين مخلوقاته، زعم بعض النّاس كــجماعة المُشبِّهة المُجسِّمة أنّ الله يُشبِه الإنسان، وأنّ جسمه يُشبه أجسامهم، وهو كلام باطل.

ونفى البعض الآخر كجماعة النُفاة المُعطِّلة القول السابق، ولكنَّهم قالوا إنّ الله لا ينبغي أن يُقال عنه عالم ولا قادر، فلا يجب تشبيهه بأي شيءٍ، وهو كُفرٌ لأنّ فيه إنكارًا لصفات الله التي وصف بها نفسه، بالإضافة إلى أنّ ذلك فيه إنكار للكثير من آيات القرآن الكريم وسنّة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والصحيح هو وجوب إثبات الصفات كما دلّ عليه القرآن والسنّة، ولكن مع العلم بأنّ ليس الاسم كالأسماء وليست الصفة كالصفات.

وهناك جماعة أخرى تُسمى بـالخلف أو المؤوِّلة، وهي التي أثبتت صفات الله عزَّ وجلَّ، ولكنَّهم قاموا بتأويلها بشكلٍ آخر. ففسَّروا مثلًا قول الله تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) [سورة طه: الآية ٣٩]، بأنّ المقصود بالعين هنا هو رعاية الله وحفظه، وهكذا صنعوا في بقيّة التفسيرات.. فهؤلاء الجماعة لا ينبغي علينا تكفيرهم، ولكنّهم حادوا عن الطريق المستقيم بتأويل ما لم يذكره الله ورسوله؛ خوفًا من التشبيه بين صفات الله وصفات عباده، ولكنّه تأويل غير صائب.

وأمّا جماعة السلف، فلم يتطاولوا إلى معرفة حقيقة صفات الله؛ لعلمهم أنّه لا يعلم الله إلّا الله، فأخذوا ما في القرآن وما صحّ عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بلا تشبيهٍ ولا تمثيلٍ ولا نفيٍ ولا تعطيلٍ ولا تأويل. فقالوا مثلًا عن العين واليد والقدم، إنّ لله عزّ وجلّ عينًا ويدًا وقدمًا، ولكنَّها ليست كجوارحنا ولا نعلم ماهيتها كما في قول الله تعالى: (لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ) [سورة الشورى: الآية ١١]، ومثل ذلك في بقيّة الصفات الذاتيّة والفعليّة.

كمال الله

الكمال الأعلى لله هو اختصاصه بصفاتٍ ليست لأحدٍ من الخلائق، وإنَّما تخصّه وحده، فهو الأوّل الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، وهو الصمد أي القائم بذاته والذي قام به كلّ شيء، وهو من ليس كمثله شيء، وهو الغنيّ المُطلق، وله التوحيد المُطلق، وهو القادر على كلّ شيء، العليم بكلّ شيء، السميع لكلّ شيء، البصير بكلّ شيء.

 


حقيقة الإيمان - الجزء الأول
حقيقة الإيمان - الجزء الأول
عمر بن عبد العزيز قرشي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00