لا سبيل إلى الإيمان إلّا بالشهادة الثانية مع الشهادة الأولى من كلمة التوحيد، والتي نشهد فيها أنّ سيدنا مُحَمَّدًا هو رسول الله، وهي الشهادة التي يجب أن تكون بالقلب مع اللسان، وأن تكون اعتقادًا وعملًا، أي إيمانًا قلبيًّا بها، وعملًا بما ورد من سنّة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بغير زيادة ولا نقصان، ولا تحريفٍ ولا تبديل. قال الله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٍ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمۡرًا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن یَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلًا مُّبِینا) [سورة الأحزاب: الآية ٣٦].
ومحمّد رسول الله هو محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، والذي يعود نسبه لسيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. ولدتهُ أمّه، آمنة بنت وهب بن زهرة، في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل في عام الفيل الموافق أغسطس عام 570 ميلاديّة. مات والده عبد الله وهو في بطن أمّه، وكفله جدّه عبد المطّلب، وماتت أمّه آمنة وعمره ستّ سنوات، وحضنته أمّ أيمن جارية أبيه، ومات جدّه عبد المطّلب فكفله عمّهُ أبو طالب.
نشأ محمّد كراعي غنم ثمّ أصبح تاجرًا فكان مثالًا للأمانة والصدق والشرف وحكمة العقل والعزّة والكرامة. لم يسجد رسول الله لصنمٍ قطّ، ولم يشرب خمرًا، ولم يظلم أحدًا، وكان بشهادة أعدائه مثاليًّا في أخلاقه، حتى بلغ الأربعين من عمره، وجاءه جبريل وهو بغار حراء وقال له: اقرأ، فذهب بعدها خائفًا إلى زوجته خديجة التي طمأنته قائلة: والله ما يخزيك الله أبدًا. وأخذت خديجة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى ابن عمها ورقة ابن نوفل، وكان قد تنصّر في الجاهليّة، فأخبره رسول الله بما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى، وأخبره أنّ قومه سوف يُخرجونه من مكّة، وتوفّي بعدها ورقة ابن نوفل. وبعدها بفترة ظهر جبريل لسيدنا محمّد وقرأ عليه سورة المدثّر.
وبدأت الدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله، واضطرّ بعدها الرسول وأصحابه إلى الهجرة للمدينة النبويّة، وكانت قد تُوفّيت السيّدة خديجة، وتُوفّي عمّ الرسول أبو طالب في نفس العامّ فسُمّي عام الحزن. وهاجر الرسول إلى المدينة بعد أن كثر بها الإسلام والمسلمون، وكانت تُسمّى قبل ذلك يثرب، وفيها شُرّعت كلّ الأحكام والقوانين، وكانت هي الدولة الإسلاميّة الأولى في تاريخ الإسلام. وقُبضت روح رسول الله يوم الاثنين من شهر ربيع الأول بعد مضي عشر سنوات وشهرين على هجرته إلى المدينة.
إنّ النُّبوّة هبة خالصة من الله عزّ وجلّ، لا تأتي عن طريق الكسب والاجتهاد أبدًا، وهناك عددٌ من مؤهّلات النُّبوّة وتلقّي الوحي الإلهيّ من الناحية العقليّة، كالمثاليّة، والتي حاز النبيّ محمّد على كلّ ألوانها من جميع النواحي الخلقيّة والنفسيّة، فكان محمّدُ أكمل الناس ذاتًا وأجملهم وجهًا وأحسنهم قدرًا.
ومن مؤهّلات النُّبوّة أيضًا شرف النسب، فقبيلة قريش كانت أشرف القبائل العربيّة، وكان محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم ينتمي لبني هاشم الذين كانوا أشرف بيوت قريش بلا مُنازع. كما أنّ عامل الزمن يعتبر من مؤهّلات النُّبوّة، وذلك حينما يقتضي الزمن إرسال نبيٍّ، لوجود فراغ روحي ّوفساد اجتماعيّ في المجتمع.
توفَّرت كلّ هذه المؤهِّلات في محمّد رسول الله بصورة واضحة، وذلك بخلاف صفاته الحميدة التي عُرف جميع الأنبياء بها، كالصدق في القول والعمل وفي كلّ شيءٍ آخر، والأمانة في القول والعمل وفي كلّ شيءٍ آخر، والتبليغ والمُراد منه أن يُبلّغ الرسول كلّ ما أُوحي إليه، والفطنة وهي تعني الفهم والذكاء مع رقّة الشعور ورهافة الحسّ وسرعة البديهة.
ورد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في التوراة والإنجيل، وذلك في نصوص كثيرة، أمّا عند علماء أهل الكتاب، فقد وبّخ الله العرب الكافرين على عدم إيمانهم برسالة محمّد، مع وجود آية عظيمة تدلّ على صدق نبوّته، كما قال تعالى: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [سورة الشعراء: الآية ١٩٧]. هذه الآية تدلّ على معرفة علماء بني إسرائيل وشهادتهم له بأنّه نبيّ الله.
أمّا علماء النصارى فإنّ لهم الكثير من الشهادات بصحّة رسالة محمّد، والمثال الأكبر على ذلك شهادة الملك الصالح النجاشيّ، وهي الشهادة المذكورة في القرآن، وذلك طبعًا بخلاف شهادة ملايين المسلمين الذين شهدوا لمحمّد بالنُّبوّة والرسالة، والشهادة الأعظم وهي شهادة الله عزّ وجل وملائكته للنّبيّ بالنُّبوّة والرسالة، فقد قال تعالى: (لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ یَشۡهَدُ بِمَاۤ أَنزَلَ إِلَیۡكَۖ أَنزَلَهُۥ بِعِلۡمِهِۦۖ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ یَشۡهَدُونَۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدًا) [سورة النساء: آية ١٦٦].
كما أنّ الله يشهد لنبيّه بالمعجزات التي أظهرها الله على يد محمّد، كنزول القرآن الكريم الذي هو أكبر معجزة معنويّة عرفها الوجود البشريّ، والمعجزات الحسيّة كالإسراء والمعراج، ومعجزة انشقاق القمر، وتسبيح الطعام بين يديه، وحنين الجذع إليه ونطقه وغيرها.
فمحمّد رسول الله هو خاتم الأنبياء والمُرسلين، ولم تأتِ بعده نبوّة حقّ ولا نبوّة صدق، منذ ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة، ونحن المسلمين نعتقد بأفضليّة النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعلوّ درجته ومكانته إلّا أنّ ذلك لا يُخرجه عن صفة العبودية لله عزّ وجلّ، فهي أشرف المقامات وأعظمها تأثيرًا.