لم تكن بساطًا بل أرضًا، ترابًا، زرع فيه عمره وعروق الزيتون، فما الذي يتبقى من العمرِ بعد الاقتلاع؟
في المسا يغلقُ باب الدارِ عليه وعلى الحنين.
تأتيه غرناطة فيقولُ يا غربتي! راحت غرناطة.
يسحبونها من تحت قدميه، ولم تكن بساطًا اشتراهُ من سوق بالنسية الكبير.
- تبدو المصائب كبيرة تقبض الروح، ثم يأتي ما هو أعتى وأشد، فيصغر ما بدا كبيرًا، وينكمش متقلصًا في زاوية من القلب و الحشا.
- ليس الجحيم أن تصطلي بنار جهنم، بل بنار قلبك وهو مروع، مضطرب وواهن، ولأنّ الكلام، كل الكلام يجرحك.
- -الله أكبر مسلمون يستبدون بالمسلمين؟!
- استغربت مثلكم عندما وجدت أهل مصر يكرهون حكامهم كما نكره نحن حكامنا الإسبان، واستغربت أكثر عندما رأيت بعيني وسمعت كيف يشير الحكام إلى الرجال من أهل البلاد فيقول: "مصري فلاح"، يقولها بتعالٍ و ازدراء، وكأنّه واحد من الإسبان يشير لواحد منا بـ "عربيٍ كلب".
- الزمن يجلو الذاكرة كأنّه الماء، تغمر الذهب فيه يومًا أو ألف عامٍ فتجده في قاع النهر يلتمع.
- غرناطة العرب صارت كالغانية، ترقص وتتعهّر إرضاءً لأسيادها لأنها خائفة.
- والقلب في بيت القلب يعتصر كأنما تقبضه يد الموت ويموت.
يحدقون فيك ولا يرف لهم جفن، يلقون بك في قبو وحدك لا تقدر حتى على البكاء، وعندما تقدر تذرف الدمع الغزير، ليس لأن البدن يوجع، ولكنك تبكي على تلك المزق الآدمية التي تعرف أنها أنت.
تبكي على حالك وعلى هجر حبيب في الزرقاء العالية، تركك وحدك تصطلي بنار لم يعد الله بها قومه الصالحين.
- وكأنّ همًّا واحدًا لا يكفي، أو كأنّ الهموم تأتنس بعضها ببعضٍ، فلا تنزل على الناس إلا معًا.
- لم يعد هذا زمان العلماء و الفقهاء يا أبا جعفر، ولا زمان النّسّاخين.
اللغة القشتالية قادمة لا محالة، والعربية لم تعد بضاعة رابحة.
- تلتهم النّار الكتب، تُفحِّم أطرافها، تُجفف أوراقها، تلتف الورقة حول نفسها كأنما تدرأ النار عنها ولا جدوى، فالنّار تصيب الكتب، وتأكل وتلتهم وتأتي عليها سطرًا سطرًا وورقةً ورقةً وكتابًا بعد كتاب.
- كيف يقول المرسوم أنّ على نساء غرناطة أن يكشفن وجوههن؟! ونساء المدينة سافرات منذ أجيال، حتى جدتي لم تكن تغطي وجهها، ونساء القرى محجبات، فأي أذى يلحقه حجابهن بالملك؟!
- ذهب سعد، وراح نعيم يتأمل ذلك الأمر العجيب بإغلاق الحمّامات. أن يقاتلك عدوك مفهوم، ولكن ما الحكمة في إغلاق حمّام أو إجبار الأهالي على التنصر؟ القشتاليون قوم غريبون مختالو العقول على ما يبدو، ولكن ما السبب في اختلال عقولهم؟ ألم تلدهم امهاتهم أطفال أصحاء عاديين مثل باقي الخلق؟ كيف تفسد عقولهم فيأتون بهذه الأفعال الغريبة؟
فكّر نعيم في ذلك، ولم يجد إجابة شافية.
لعلّه البرد القارس في الشمال يُجمد جزءًا من رؤوسهم فلا يسري الدم فيه فيموت أو يفسد، أو ربما هو لحم الخنزير الذي يُسرفون في أكله فيصيبهم بالخبل؟”
- تقول أمها: "في سليمة من البعوض صفتان: الزن وعدم المنعة!"
فتضحك أم جعفر وتقول: "إنّها كالملكة بِلقيس، تريد أن تَأمٌر فتٌطاع ولا يملك أحد أن يَأمُرها بشيء”.
- رأوا الأمراء يتنصّرون، سعد ونصر ولدا السلطان أبي الحسن، سميا نفسيهما الدوق فرناندو دي غرانادا والدوق خوان دي غرانادا.
وزاد سعد على أخيه درجة، فالتحق بجيش قشتالة مقاتلًا في صفوفه.
استرح في قبرك يا أبا الحسن، نم قرير العين حتى تهب عليك رياح الجنة...تاجرت ذريتك في تجارة نادرة، فأوفت وأبلت بلاءً حسنًا يا أبا الحسن.
- "سأذهب حالا يا سيدي، ولكنك رجل طيب وقد اطمأن لك قلبي، فقلت أسألك عما يحيرني.
كان أبي رحمه الله يقول إننا مسلمون، ولكن الناس هنا يقولون إن المسلمين سيذهبون إلى النار.
أذهب إلى القداس وأركع وأصلي للمسيح، ثم أذكر كلام أبي فأدعو إلى رب المسلمين، ثم أضطرب ولا أدري أيهما الرب الصحيح، فأدعوه لكي يساعدني".
- هل الماضي يمضي حقًا أم يُعرِّش على أيامنا، أم أننا نعيش كالبيت فيه؟