المبحث الرابع: علاج داء العشق

منافع غض البصر

الأولى: أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، فليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامره، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره.

الثانية: أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم - الذي لعل فيه هلاكه - إلى قلبه.

الثالثة: أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعية عليه، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته، ويبعده عن الله، وليس على القلب شيء أضر من إطلاق البصر؛ فإنه يورث الوحشة بين العبد وربه.

الرابعة: أنه يقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.

الخامسة: أنه يكسب القلب نورا، كما أن إطلاقه يلبسه ظلمة، ولهذا ذكر الله سبحانه آية النور بعد الأمر بغض البصر.

خاصية التعبد

الحب مع الخضوع والذل للمحبوب، فمن أحب محبوبا وخضع له فقد تعبد قلبه له، بل التعبد آخر مراتب الحب.

أنواع المحبة

 وهاهنا أربعة أنواع من المحبة يجب التفريق بينها:

الأول: محبة الله.

الثاني: محبة ما يحب الله.

الثالث: الحب لله وفيه.

الرابع: المحبة مع الله، وهذه محبة المشركين.

وأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله، كما أصل الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله، وكل إرادة تمنع كمال الحب لله ورسوله وتزاحم هذه المحبة أو شبهة تمنع كمال التصديق، فهي معارضة لأصل الإيمان أو مضعفة له.

الحب لله وحده

كل حي له إرادة ومحبة وعمل، وكل متحرك فأصل حركته المحبة والإرادة، ولا صلاح للموجودات إلا بأن تكون حركاتها ومحبتها لفاطرها وبارئها وحده، وهو الله سبحانه وتعالى.

آثار المحبة

لها آثار وتوابع ولوازم وأحكام، سواء كانت محمودة أو مذمومة، نافعة أو ضارة، من الوجد والذوق والحلاوة، والشوق والأنس، والاتصال بالمحبوب والقرب منه، والانفصال عنه والبعد عنه، والصد والهجران، والفرح والسرور، والبكاء والحزن، وغير ذلك من أحكامها ولوازمها.

فالمحبة المحمودة هي المحبة النافعة التي تجلب لصاحبها ما ينفعه في دنياه وآخرته، وهذه المحبة هي عنوان السعادة، والضارة: هي التي تجلب لصاحبها ما يضره في دنياه وآخرته، وهي عنوان الشقاوة.

دواء العشق

أن يعرف أن ما ابتلي به من هذا الداء المضاد للتوحيد، إنما هو من جهله وغفلة قلبه عن الله تعالى، فعليه أن يعرف توحيد ربه وسنته أولا، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه، ويكثر اللجأ والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه.

الحب الذي لا ينكر ولا يذم

هو حب الله تعالى، فهذا الحب لا ينكر ولا يذم، بل هو أحد أنواع الحب، وكذلك حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما نعني المحبة الخاصة، التي تشغل قلب المحب وفكره وذكره بمحبوبه، وإلا فكل مسلم في قلبه محبة الله ورسوله، لا يدخل الإسلام إلا بها.

أقسام الناس في العشق

أقسام الناس في العشق ثلاثة أقسام:

  1. من يعشق الجمال المطلق، وقلبه يهيم في كل واد، له في كل صورة جميلة مراد.
  2. من يعشق الجمال المقيد، سواء طمع في وصاله أو لا.
  3. من لا يعشق إلا من يطمع في وصاله.

الداء والدواء
الداء والدواء
ابن قيم الجوزية
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00