- والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدفعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن. كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض» .
- وللدعاء مع البلاء مقامات: وله مع البلاء ثلاث مقامات: أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه. الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء، فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه، وإن كان ضعيفا. الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه.
- وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة».
وفيه أيضا من حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء».
وفيه أيضا من حديث ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه»
- ومن عقوبات المعاصي، أنها تستدعي نسيان الله لعبده، وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة الحشر: ١٨ - ١٩].
فأمر بتقواه ونهى أن يتشبه عباده المؤمنون بمن نسيه بترك تقواه، وأخبر أنه عاقب من ترك التقوى بأن أنساه نفسه، أي أنساه مصالحها، وما ينجيها من عذابه، وما يوجب لها الحياة الأبدية، وكمال لذتها وسرورها ونعيمها، فأنساه الله ذلك كله جزاء لما نسيه من عظمته وخوفه، والقيام بأمره، فترى العاصي مهملا لمصالح نفسه مضيعا لها، قد أغفل الله قلبه عن ذكره، واتبع هواه وكان أمره فرطا، قد انفرطت عليه مصالح دنياه وآخرته، وقد فرط في سعادته الأبدية، واستبدل بها أدنى ما يكون من لذة، إنما هي سحابة صيف، أو خيال طيف كما قيل:
أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع
- وأعظم العقوبات نسيان العبد لنفسه، وإهماله لها، وإضاعته حظها ونصيبها من الله، وبيعها ذلك بالغبن والهوان وأبخس الثمن، فضيع من لا غنى له عنه، ولا عوض له منه، واستبدل به من عنه كل الغنى أو منه كل العوض:
من كل شيء إذا ضيعته عوض ... وما من الله إن ضيعت من عوض
فالله سبحانه يعوض عن كل شيء مما سواه ولا يعوض منه شيء، ويغني عن كل شيء ولا يغني عنه شيء، ويجير من كل شيء ولا يجير منه شيء، ويمنع من كل شيء ولا يمنع منه شيء،
كيف يستغني العبد عن طاعة من هذا شأنه طرفة عين؟
وكيف ينسى ذكره ويضيع أمره حتى ينسيه نفسه فيخسرها ويظلمها أعظم الظلم؟
فما ظلم العبد ربه ولكن ظلم نفسه، وما ظلمه ربه ولكن هو الذي ظلم نفسه.
- ومن عقوبات المعاصي، أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه من ثواب المحسنين، فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه عن المعاصي، فإن من عبد الله كأنه يراه، لم يكن كذلك إلا لاستيلاء ذكره ومحبته وخوفه ورجائه على قلبه، بحيث يصير كأنه يشاهده، وذلك سيحول بينه وبين إرادة المعصية، فضلا عن مواقعتها، فإذا خرج من دائرة الإحسان، فاته صحبة رفقته الخاصة، وعيشهم الهنيء، ونعيمهم التام، فإن أراد الله به خيرا أقره في دائرة عموم المؤمنين، فإن عصاه بالمعاصي التي تخرجه من دائرة الإيمان كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع إليه فيها الناس أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن». فإياكم إياكم، والتوبة معروضة بعد.