ضرر الذنوب في القلب كضرر السموم في الأبدان
الذنوب والمعاصي تضر، ولا بد أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي!
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة؛ دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه؟
آثار المعصية
ومنها أيضًا:
توالد المعاصي
فالمعاصي تزرع أمثالها، ويولّد بعضها بعضا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها، كما قال بعض السلف:
"إن من عقوبة السيئة السيئة؛ فهي تعقبها وتأتي بعدها".
المعصية تضعف إرادة الخير
فهي تضعف القلب عن إرادته، فتقوي إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا، إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية.
إلف المعصية
من يألف المعصية يأتي بأقبح الأفعال حتى إنه يألفها ويجهر بها ولا يبالي.
المعاصي مواريث
فكل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل؛ فاللوطية: ميراث عن قوم لوط، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب، والعلو في الأرض بالفساد ميراث عن قوم فرعون، والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود. فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم.
هوان العاصي على ربه
قال الحسن البصري: "هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم".
هوان المعاصي على المصرين عليها
إن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه، وذلك علامة الهلاك؛ فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله.
شؤم الذنوب
غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه، فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم.
المعصية تورث الذل
فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [سورة فاطر: ١٠] أي فليطلبها بطاعة الله، فإنه لا يجدها إلا في طاعة الله.
المعاصي تفسد العقل
فالمعاصي تفسد العقل، فإن للعقل نورا، وإن المعصية تطفئ نور العقل ولا بد، وإذا طفئ نوره ضعف ونقص.
المعاصي تطبع على قلب صاحبها
ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين. كما قال بعض السلف في قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [سورة المطففين: ١٤]؛ قال: هو الذنب بعد الذنب.
الذنوب تحدث الفساد في الأرض
فهي تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء، والزرع، والثمار، والمساكن، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [سورة الروم: ٤١].
الذنوب تطفئ الغيرة
الغيرة هي حرارة القلب وناره التي تخرج ما فيه من خبث والصفات المذمومة، كما يُخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد، وأشرف الناس وأعلاهم همة أشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أغير الخلق على الأمة.
المعاصي تذهب الحياء
ومن عقوباتها، ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب الخير أجمعه.
المعاصي تضعف في القلب تعظيم الرب
ومن عقوبات الذنوب، أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد، شاء أم أبى، ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه.
المعاصي تنسي الله
ومن عقوباتها، أنها تستدعي نسيان الله لعبده، وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة.
المعاصي تخرج العبد من دائرة الإحسان
ومن عقوباتها، أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه من ثواب المحسنين، فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه عن المعاصي، فإن من عبد الله كأنه يراه، لم يكن كذلك إلا لاستيلاء ذكره ومحبته وخوفه ورجائه على قلبه.
المعاصي تضعف القلب
ومن عقوباتها، أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه أو توقفه وتقطعه عن السير، فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة.
المعاصي تزيل النعم
ومن عقوبات الذنوب، أنها تزيل النعم، وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب.
المعاصي تلقي الرعب والخوف في القلوب
ومن عقوباتها، ما يلقيه الله سبحانه وتعالى من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفا مرعوبا.
المعاصي تمرض القلوب
ومن عقوباتها، أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضا معلولا لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه، فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا تركها.
المعاصي تعمي البصيرة
ومن عقوباتها، أنها تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره، وتسد طرق العلم، وتحجب مواد الهداية.
المعاصي تصغر النفس
ومن عقوباتها، أنها تصغر النفس، وتقمعها، وتدسيها، وتحقرها، حتى تكون أصغر كل شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها.
المعاصي في سجن الشيطان
ومن عقوباتها، أن العاصي دائما في أسر شيطانه، وسجن شهواته، وقيود هواه، فهو أسير مسجون مقيد، ولا أسير أسوأ حالا من أسير أسره أعدى عدو له.
المعاصي تسقط الكرامة
ومن عقوباتها، سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه، فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، وأقربهم منه منزلة أطوعهم له، وعلى قدر طاعة العبد تكون منزلته عنده، فإذا عصاه وخالف أمره سقط من عينه.
المعصية مجلبة للذم
ومن عقوباتها، أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف، وتكسوه أسماء الذم والصغار، فتسلبه اسم المؤمن، والبر، والمحسن، والمتقي، والمطيع، والمنيب، والولي، والورع، والصالح، والعابد، والخائف، والأواب، والطيب، والمرضي ونحوها. وتكسوه اسم الفاجر، والعاصي، والمخالف، والمسيء، والمفسد، والخبيث، والمسخوط، والزاني، والسارق، والقاتل، والكاذب، والخائن، واللوطي، وقاطع الرحم، والغادر وأمثالها.
المعصية تؤثر في العقل
ومن عقوباتها، أنها تؤثر بالخاصة في نقصان العقل، فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع لله والآخر عاص، إلا وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل، وفكره أصح، ورأيه أسد، والصواب قرينه.
المعاصي توجب القطيعة بين العبد والرب
ومن أعظم عقوباتها، أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير واتصلت به أسباب الشر، فأي فلاح، وأي رجاء، وأي عيش لمن انقطعت عنه أسباب الخير، وقطع ما بينه وبين وليه ومولاه الذي لا غنى عنه طرفة عين.
المعاصي تمحق البركة
ومن عقوباتها، أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة.
المعصية تجعل صاحبها من السفلة
ومن عقوباتها، أنها تجعل صاحبها من السفلة بعد أن كان مهيئا لأن يكون من العلية، فإن الله خلق خلقه قسمين؛ علية، وسفلة، وجعل عليين مستقر العلية، وأسفل سافلين مستقر السفلة، وجعل أهل طاعته الأعلين في الدنيا والآخرة، وأهل معصيته الأسفلين في الدنيا والآخرة.
المعاصي تجرئ على الإنسان أعداءه
ومن عقوباتها، أنها تجرئ على العبد ما لم يكن يجترئ عليه من أصناف المخلوقات، فتجترئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين.
المعاصي تضعف العبد أمام نفسه
ومن عقوباتها، أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، فإن كل أحد يحتاج إلى معرفة ما ينفعه وما يضره في معاشه ومعاده.
المعاصي تعمي القلب
ومن عقوباتها، أنها تعمي القلب، فإن لم تعمه أضعفت بصيرته ولا بد، وقد تقدم بيان أنها تضعفه ولا بد، فإذا عمي القلب وضعف، فاته من معرفة الهدى وقوته على تنفيذه في نفسه وفي غيره، بحسب ضعف بصيرته وقوته.
المعاصي عدو لدود
ومن عقوباتها، أنها تمد عدوه (الشيطان) بمدد قوي يستعين به على الإنسان ليهلكه، وذلك أن الله سبحانه ابتلى هذا الإنسان بعدو لا يفارقه طرفة عين، ينام ولا ينام عنه، ويغفل ولا يغفل عنه، يراه هو وقبيله من حيث لا يراه، ويبذل جهده في معاداته في كل حال.
فالعين باب من أبواب الوصول إلى زيادة الإيمان، أو النظر بها إلى المعاصي واتباع الشيطان، فهي من أهم ثغور الإنسان التي لا بد أن يحافظ عليها من الشيطان ومكائده.
أما الأذن فهي ثغر كذلك مهم ولا بد أن يحفظ الإنسان سمعه عن المعاصي، ويحاول الشيطان وأعوانه جهدهم أن يمنعوا وصول شيء من كلام الله أو كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو كلام النصحاء إلى هذا الثغر.
واللسان هو الأداة الأعظم في جسد الإنسان والتي يحاول الشيطان إغواء بني آدم من خلالها، فيجعل الإنسان يتكلم من الكلام ما يضره ولا ينفعه، ويمنعه أن يجري عليه شيء مما ينفعه من ذكر الله تعالى واستغفاره، وتلاوة كتابه، ونصيحة عباده، والتكلم بالعلم النافع.
المعصية تنسي العبد نفسه
ومن عقوباتها، أنها تنسي العبد نفسه، وإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها، فإن قيل: كيف ينسى العبد نفسه؟ وإذا نسي نفسه فأي شيء يذكر؟ وما معنى نسيانه نفسه؟ فهو: إنساؤه لحظوظها العالية، وأسباب سعادتها وفلاحها، وإصلاحها، وما تكمل به؛ ينسيه ذلك كله فلا يخطر بباله، ولا يجعله على ذكره، ولا يصرف إليه همته فيرغب فيه، فإنه لا يمر بباله حتى يقصده ويؤثره.
المعاصي تزيل النعم
ومن عقوباتها، أنها تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فتزيل الحاصل، وتمنع الواصل، فإن نعم الله لا تحفظ إلا بطاعته سبحانه وتعالى.
المعصية تباعد بين العبد والملك
ومن عقوباتها، أنها تباعد عن العبد وليه وأنفع الخلق له وأنصحهم له، ومن سعادته في قربه منه، وهو الملك الموكل به، وتدني منه عدوه وأغش الخلق له.
المعاصي مجلبة للهلاك
ومن عقوباتها، أنها تستجلب مواد هلاك العبد من دنياه وآخرته، فإن الذنوب هي أمراض، متى استحكمت قتلت.