هدي الرسول في الفطور والسحور

وعن هدي الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم  في الفطور والسحور يقول المؤلِّف: للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم  أحوال مع رمضان في دعائه وذكره وقراءته وتدبّره وجوده وإحسانه، كما أنَّ له أحوالًا مع أكله وشربه في رمضان، فطرًا وسحورًا، ولا شكَّ أنَّ  هديه في ذلك أكمل الهدي فيحسن بنا أن نقف على ذلك الهدي وأن نتبع ذلك الأثر.

ويضيف: وجبة السحور هي أكلة الختام في آخر الليل ولقد اهتمَّ بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  ورغَّب في العناية بها وتعاهدها وكان يسمِّيها باسم حسن كما أخرج أحمد والنسائيّ رحمهما الله أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "عليكم بغداء السحور فإنَّه هو الغداء المبارك".

وتكرَّر هذا الاسم الطيَّب في كلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن السحور، فقد أخرج الشيخان وغيرهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "السحور كلُّه بركة".

فحريٌّ بك أيها المسلم الصائم أن تحرص على هذه البركة، التي تأتي من وجه كونها أكلة في وقت فاضل هو وقت نزول الربِّ جلَّ وعلا  إلى سماء الدنيا، ومناداته لعباده المؤمنين التائبين المستغفرين الداعين المستغيثين ليستجيب لهم دعاءهم، ويتوب على تائبهم، ويغفر لمستغفرهم، ويغيث مستغيثهم.

ووجهٌ ثانٍ من أوجه البركة المذكورة في الحديث؛ وهو أنَّ هذا الوقت غالبًا ليس هو وقت شهوة ونهم وأكل وشرب، وإنَّما يتناول مريد الصيام من الطعام والشراب شيئًا ولو يسيرًا، وفي هذا استجابة لمراد الله تعالى، وطاعة لرسوله، صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا شكَّ أنَّ  طاعه الله ورسوله كلّها خير وبركة، ومن هنا فلا يحرم المتسحر من بركة الطاعة بفضل الله ورحمته.

ومن أوجه البركة أيضًا: أنَّ الصائم يتقوَّى بأكلة السحور على الصيام فيؤدِّيه بقوَّة ونشاط، كما يعينه على أداء العبادات الأخرى، ومنها يظهر أثر بركة السحور واتِّباع هدي نبيِّنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم  فيه فإنَّ من هديه صلوات الله وسلامه عليه تأخير السحور إلى آخر الليل.. روى الشيخان عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  قال : "لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر وأخَّروا السحور".

فحريٌّ بك أيها المسلم الصائم أن تطلب هذه الخيريَّة وبخاصّة في هذا الوقت المبارك الذي اجتمع فيه شرف اليوم وشرف الشهر فتستغلّ هذه المنح العظيمة من الربِّ سبحانه وتعالى.. فبعد استيقاظك وذكرك لله جلَّ وعلا وتطهّرك تستفتح يومك بركعتين أو أكثر لله سبحانه وتعالى، وتدعو الله بما شئت من حاجاتك الدنيويّة والأخرويّة ثمَّ تتسحَّر قبل الفجر.

 الرسول وكثرة الأعمال الخيريَّة في رمضان وحثُّه على التنافس فيها

إذا أهل هلال شهر رمضان، هلَّت بساحتنا ذكرى لسيرة المصطفى، صلَّى الله عليه وسلَّم، وما فيها من كثرة العبادة والطاعة، وسرعة مبادرته لفعل الخيرات، والتنافس فيها. وبذلك نستغلّ الشهر المبارك لكي يزداد رصيد الحسنات لدينا، فقد كان صلَّى الله عليه وسلَّم قدوة لهذه الأمَّة في المسارعة إلى الخيرات والمنافسة فيها.

وعن كثرة الأعمال الخيريَّة في رمضان، يقول ابن القيّم رحمه الله: كان من هديه صلَّى الله عليه وسلَّم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات، وكان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف، وغيرها.

وكان صلَّى الله عليه وسلَّم  يخصُّ رمضان بالعبادة ما لا يخصُّ غيره من الشهور، حتَّى إنَّه كان يواصل الصوم فيه أحيانًا يوفِّر ساعات ليله ونهاره للعبادة، في الوقت الذي كان ينهى فيه أصحابه عن الوصال، ويقول : "لست كهيئتكم إنِّي أبيت عند ربِّي يطعمني ويسقيني". ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو قدوة كلّ مسلم حريص على أن يرضى عنه مولاه، فلذلك يجب على كلّ راغب في الخير عندما يسمع هذا الوصف وهذا الذكر أن يسارع إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات، واجتناب الآثام والسيِّئات، فيستغلّ وقته في عمل كلّ ما يفيده في الدنيا والآخرة، وهكذا كان حال السلف الصالح رضوان الله عليهم؛ كانوا سبَّاقين إلى كلِّ خير، متنافسين في كلِّ ميادين الطاعة، وسواء أكان ذلك على مستوى الفرد منهم أو على مستوى الجماعة.

الرسول والقرآن الكريم

شهر رمضان هو شهر القرآن، وقد كان للقرآن الكريم في حياة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم منزلة خاصَّة ومكانة عالية، وتزداد هذه المكانة على وجه الخصوص وعلى وجه فريد في شهر رمضان المبارك، فقد كان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن في كلِّ عام مرَّة، لكنَّه دارسه القرآن في العام الذي توفِّي فيه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرّتين. 

وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يقرأ على أصحابه ويستقرئهم ويحثُّهم على القراءة، ويعقد الراية لأكثرهم حفظًا، ويحثّهم على عدم تفلُّته منهم، وقد جاء في الحديث المتَّفق عليه أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم  كان يقول: "تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشدُّ تفلُّتا من الإبل في عقلها"، فمن أهمّ ما يتعلَّق بالقرآن تعهُّده ومراجعته وتخصيص وقت يلازمه القارئ للقراءة فيه.

ومن فضائل كتاب الله تعالى وقراءته وتدبّره أنَّ تلاوته من أفضل العبادات، وأعظم القربات خاصّة في هذا الشهر؛ شهر الخيرات والنفحات، فالله سبحانه وتعالى رتَّب على قراءته وتدبّره أجرًا كبيرًا وثوابًا جزيلًا حتَّى أنَّ القارئ الذي يقرؤه ويجد مشقَّة وصعوبة في قراءته له أجران.

هذا هو القرآن بخيره وعطائه ونفحاته، وهذا هو شهر رمضان بأفضاله وخيراته، وها هي كرائم المولى جلَّ وعلا تترى، ونعمه لا تحصى، وها هو شهر رمضان لا زال يظلّنا بخيره وبالقرآن الذي أنزل فيه وبصيامه وقيامه، فهل نتدارك تقصيرنا في تلاوة القرآن، فقارئ القرآن يعرف بليله إذ الناس ينامون، وبنهاره إذ الناس يلعبون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبورعه إذ الناس يخلطون، وبصمته إذ الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس يختالون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، كما ورد عن ابن مسعود في معرفه قارئ القرآن، فالله الله في استغلال أيَّام هذا الشهر المبارك اقتداء برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

هدي الرسول في قيام الليل

كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  يرغِّب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة فيقول: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه".  وصلاة التراويح من قيام رمضان وهي سنَّة مؤكَّدة أكَّد ذلك النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم  حيث روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم  صلَّى في المسجد فصلَّى بصلاته ناس ثمَّ صلَّى الثانية فكثر الناس ثمَّ اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلمَّا أصبح قال: "رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلَّا أنِّي خشيت أن تفرض عليكم".

لكنَّ الصحابة رضي الله عنهم صلَّوها بعده جماعة، يقول الإمام أحمد، رحمه الله: كان عليٌّ وجابر وعبد الله رضي الله عنهم يصلُّون جماعة، وعن عبد الرحمن ابن القارئ قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرِّقون، ويصلِّي الرجل بنفسه، ويصلِّي الرجل فيصلِّي بصلاته الرهط، فقال عمر: إنِّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثمَّ عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب.

ويقول العلماء بجواز أن يصلِّيها المسلم منفردًا، إن كان قارئًا للقرآن، ولا تتأثَّر الجماعة بتخلِّفه، ولا يخاف الكسل عنها. لكنَّ الأفضل وفي مثل هذا الزمان للمسلم أن يواظب عليها في الجماعة؛ لما في ذلك من إحياء هذه الشعيرة، خاصّة وأنَّ الغالب على الإنسان إذا كان منفردًا أن يتطرَّق إليه الكسل والخمول الفتور.

أمّا عدد ركعاتها فتكلَّم أهل العلم في ذلك كثيرًا بناءً على ما ورد عن رسول الله في صلاة الليل وما ورد عن السلف في ذلك؛ فمن قائل إنَّها إحدى وأربعون ومن قائل إنَّها إحدى عشرة ركعة، ولعلَّ ذلك القول أرجحها لما جاء في الصحيحين عن عائشة، رضي الله عنها، أنَّها سئلت: كيف كانت صلاة النَّبيِّ في رمضان، فقالت ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة. 

وروى مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".

 


مع النبي صلّى الله عليه وسلم في رمضان
مع النبي صلّى الله عليه وسلم في رمضان
محمد بن فالح الصغير
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00