الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -  ورؤية الهلال

يقول المؤلِّف: ما إن يدخل الشهر المبارك إلَّا ويثور نقاش حادٌّ وطويلٌ بين المسلمين في جميع الأقطار: متى يصوم الناس؟ وهل يصومون برؤية الهلال أم بالاعتماد على الحساب الفلكيّ؟ وكيف يصوم الذين يعيشون في تلك البلاد التي لا تعتمد على رؤية الهلال؟

من أجل ذلك كان لا بدَّ لنا أن نقف على هدي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في ذلك لنعلم كيف كان يستقبل هذا الشهر وكيف يتمُّ صومه؟

ثمَّ ينقل الكاتب قول الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة، رحمه الله، حيث يقول: "كان من هديه صلَّى الله عليه وسلَّم  أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محقَّقة أو بشهادة شاهد، كما صام بشهادة ابن عمر وصام مرّة بشهادة أعرابيّ، واعتمد على خبرهما ولم يكلِّفهما لفظ الشهادة.. وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره غيم أو سحاب أكمل عدَّة شعبان ثلاثين يومًا ثمَّ صام رمضان".

ويضيف: ولم يكن يصوم يوم الإغمام ولا أمر به، بل أمر أن تكمل عدَّة شعبان ثلاثين إذا غمَّ، وكان يفعل ذلك، فهذا فعله، وهذا أمره.

يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث: "الشهر تسعة وعشرون فلا تصوموا حتَّى تروه فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدَّة ثلاثين يومًا".

وقال أيضًا: "الشهر ثلاثون والشهر تسعة وعشرون فإن غمَّ عليكم فعدُّوا ثلاثين". وقال : " لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته فإن حال دونه غمامة فأكملوا ثلاثين". وقال: "لا تقدَّموا الشهر حتَّى تروا الهلال أو تكملوا العدَّة، ثمَّ صوموا حتَّى تروا الهلال أو تكملوا العدَّة".

وقال سمَّاك عن عكرمة عن ابن عبَّاس: تمارى الناس في رؤية هلال رمضان، فقال بعضهم : "اليوم". وقال بعضهم: "غدًا"، فجاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فذكر أنَّه رآه، فقال النَّبيُّ، صلَّى الله عليه وسلَّم : أتشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله؟ قال: نعم. فأمر النَّبيُّ، صلَّى الله عليه وسلَّم بلالاً فنادى في الناس: "صوموا". ثمَّ قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يومًا ثمَّ تصوم، ولا تصوم قبله يوما".

الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - والصوم

يتناول المؤلِّف حال النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع الصوم قبل فرضيَّة صيام شهر رمضان، فيقول: كان الرسول يصوم أيَّامًا معيَّنة ذكر أهل العلم أنَّها على ثلاثة أطوار:

- الطور الأوَّل: الأيَّام المعدودات: قيل إنَّها الاثنين والخميس، وقيل ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر، وقيل ذكر الأيّام المعدودات تخفيفًا وتهوينًا وإلَّا فهي الشهر نفسه.

- الطور الثاني: التخيير؛ قال تعالى: }وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ{ [البقرة: 184]، فكانوا مخيَّرين بين الصيام والإطعام.

- الطور الثالث: الإلزام، قال الله تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ{ [البقرة: 185]. فلم يرخِّص في ترك الصيام إلَّا في حالة وجود عذر؛ كالسفر والمرض، قال تعالى: }وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{ [البقرة: 185].

وهذه لمحة عن أطوار الصيام وتشريعه في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وحتَّى استقرَّ تشريعه في السنة الثانية من الهجرة النَّبويَّة واستقرَّ عليها تشريع الصيام إلى أن تقوم الساعة.

ولا شكَّ أنَّ الصيام ورمضان عاملان قويَّان لتمثُّل غاية التقوى الحميدة والهدف السامي النبيل.. والعاقل الحصيف هو الذي يجعل من هذا الشهر عاملًا قويًّا للوصول إلى هذه الغاية، كما كان عليه الصلاة والسلام، فاقتدوا به وتأسّوا به واجعلوا سيرته نصب أعينكم تكونوا من المفلحين الفائزين.

الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومقاصد الصيام

يقول المؤلِّف:  إنَّ لرمضان والصيام منزلة خاصّة عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، لما يحتويان عليه من الفضائل والخصائص والسمات والمزايا.

ومن هديه صلَّى الله عليه وسلَّم  بيانه أنّ صيام رمضان مكفِّر للخطايا والسيِّئات يمحو الله به الذنوب والآثام ولا شكَّ أنَّ  الإنسان معرَّض للخطأ والزلل ويعتريه النقص والخلل، فإذا ما جاء رمضان وصامه العبد المسلم غفر الله له ذنوبه وكفَّر عنه سيِّئاته، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّرات لما بينهنَّ إذا اجتنبت الكبائر".

ومن هديه، عليه الصلاة والسلام، في بيان فضائل رمضان والصيام، ما بيَّنه في الحديث الذي رواه الشيخان: "والذي نفس محمَّد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". تلك الرائحة الكريهة التي تخرج من  جوف الصائم ومعدته، عن طريق فمه، والتي لا يقبلها أحد تقع عند الله تعالى موقع عظيمًا؛ ذلك أنَّها يوم القيامة أطيب عند الله من رائحة المسك، فليتأمَّل المسلم وليتدبَّر كيف انقلبت هذه الرائحة الكريهة إلى رائحة زكيَّة عطرة يفوح عطرها مسكًا وكلّ ذلك بسبب الصيام.

ومن هديه، صلَّى الله عليه وسلَّم، في بيان فضائل رمضان والصيام ما ذكره في الحديث: " للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربّه فرح بصومه". فالصائم يتمتَّع بالفرح والسرور في دنياه وأخراه. أمَّا في الدنيا فيكمن من الفرح عند تناوله طعام الإفطار، فيفرح الصائم لما أتمَّ الله تعالى عليه نعمة الصيام، وأنَّه أباح له ما كان محرًّمًا عليه في نهار رمضان من الأكل والشرب وغيرهما. وأمَّا في الأخرة فيفرح عند لقاء ربِّه حيث يجد جزاءه عند ربِّه عطاء وإحسانًا، ويجد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

ومن هديه، صلَّى الله عليه وسلَّم، بيان أنَّ دعاء الصائم مقبول عند الله تعالى، ففي الحديث يقول الرسول: "ثلاثة لا تردُّ دعوتهم"، وذكر منهم: "الصائم حتَّى يفطر".


مع النبي صلّى الله عليه وسلم في رمضان
مع النبي صلّى الله عليه وسلم في رمضان
محمد بن فالح الصغير
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00