الباب الرابع: باب الهجرة

كيف تركت الصحابة أوطانهم العزيزة، وكيف كان ذلك أحبَّ إليهم من الدنيا ومتاعها؟

 

هجرة النّبي وأبي بكر

إجماع أُمراء قُريش على المّكر بنبيّ الله: أخبر الله عزّ وجلّ نبيّهُ بمكرِ أُمراء قُريش، اللذين قد أجمعوا على قتل أو سجن سيدنا محمد، في قوله سُبحانه وتعالى: ﴿وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال:30]. 

خروج النّبي من مكّة مُهاجرًا مع أبي بكر: خرج النّبي هو وأبو بكر قِبَل الغارِ بثَوْر، وهو الغار الذي ذُكر في القرآن، بينما رَقَد عليّ بن أبي طالب على فراش النّبي. وفي الصباح اكتشف المُشركون خروج النّبي، وذهبوا للبحث عنه حتى أتوا على ثَوْرٍ الذي فيه رسول الله وأبو بكر وطلعوا فوقَهُ. أقبل الخوف والهمّ على قلب أبو بكر فقال له نبي الله: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة:40]، ودعا رسول الله ربّه، فاستجاب الله له، كما في قوله عزّ وجلّ: ﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:40]

قُدوم النّبي المدينة ونُزولهُ بِقُباء: حينما سَمِع المُسلمون بالمدينة بِمخرجِ رسول الله من مكة، كانوا يخرجون وينتظرونه حتى يردَّهم حرُّ الظهيرة، فلما آوَوا إلى بيُوتهِم، رأى رجلٌ من اليهود رسول الله وأصحابِه، فقال بأعَلى صوته: "يا مَعشرَ العَرب، هذا جَدُّكُم – أي حظّكم ونصيبكم- الذي تنتظرون"، وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول. فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صامتًا، حتى أصابت الشمس رسول الله فأقبل أبو بكر حتى ظلَّل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله.

 

هجرة الصحابة

هجرة عُثمان بن عفّان: كان عُثمان أول من هَاجر إلى الله تعالى بأهلهِ، فقد خرج عُثمان ومعه امرأته رُقيّة عنهما بنت رسول الله إلى أرض الحبشة، وحينما سمع رسول الله بأمرهما، قال عليه السلام: "صَحِبَهُما الله، إنَّ عُثمان أول من هَاجر بعد لوطٍ عليه السلام".

هِجرة عليّ بن أبي طالب: قال عليّ: "لما خَرج رسُول الله إلى المدينة في الهجرة، أمرني أن أُقيم بعدهُ حتى أؤدّي وَدَائع كانت عندهُ للناس، فأقمتُ ثلاثًا، ولذا كان يُسمّى الأمين".

ما قيل لصفوان بن أمية وغيره في الهجرة: أتى فُدَيْك لنبيّ الله وقال له: "يا رسول الله، إنّهم يزعمون أن من لم يُهاجر هَلَكَ". فقال النبي "يا فُدَيك، أقم الصَلاة، وآتِ الزكاة، واهجر السُوء، واسكُن من أرضِ قومك حيث شئت تكن مهاجرًا». وحينما سَألَ عَطاء بن أبي ربَاَح عائشة عن الهجرة، قالت: "لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يَفرُّ أحدَهُم بدينهِ إلى الله ورسوله مَخَافة أن يُفتَن عليه. فأمّا اليوم فقد أظهر الله الإِسلام، واليوم يَعُبد ربّهُ حيث شاء، ولكن جِهادٌ ونيَّة".

 

الباب الخامس: باب النُّصْرَة

كيف كانت نُصْرة الدين القويم والصراط المستقيم أحبَّ إلى الصحابة من كل شيء؟ وكيف كانوا يتفخرون بذلك ما لم يفتخر أحد منهم بالعزَّة الدنيوية؟ وكيف صبروا مع ذلك عن لذّاتها؟

 

المؤاخاة بين المُهاجرين والأنصار

قصة عبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع: حينما قَدِمَ عبد الرحمن بن عوف المدينة، آخى رسول الله بينهُ وبين سَعد بن الربيع الأنصاري، فقال له سَعد: "أيْ أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالًا، فانظر شَطْر مالي فُخْذه، وتحتي امرأتان فانظر أيّتُهمَا أعجبُ إليك حتى أُطلِّقَها". فقال عبد الرحمن: "بارك الله لك في أهلِك ومالِك، دُلُّوني على السوق"، فدلّوه، فذهَب فاشترى وبَاع فَربِح.

 

مُؤاسَاةُ الأنصَار المُهاجرين بأموالِهم

قَسمُ الثّمَر: قال المهاجرون: "يا رسول الله، ما رأينا مثل قومٍ قّدِمْنا عليهم أحسَنَ مُؤاساةً في قليلٍ، ولا أحسَنَ بذلًا من كثيرٍ، لقد كَفَونا المَؤُونة وأشرَكُونا في المَهْنأ، حتّى لقد خَشينا أنْ يذهبُوا بالأجْر كُلّه". قال: "لا، ما أثنيتُم عليهم ودَعوتُم الله لهُم".

 

صفةُ الأنصار

إكرام النّبي لسعد بن عبادة: دخل سعد بن عبادة رضي الله عنه على رسول الله، فقال له نبي الله: "مرحبًا بالأنصار، مرحبًا بالأنصار"، وحينما قبّل سعد يدي رسول الله ورِجْلَهُ. قال النّبي: "وأنا من الأنصار، وأنا من فِرَاخِ –أي أولاد- الأنصار". فقال سعد: "أكرمك الله كما أكرمتنا". فقال: "إنَّ الله أكْرمَكم قبل كرامتي، إنكم ستلقَون بعدي أثرةً، فاصبروا حتى تلقَوني على الحوض".

دعاء النّبي للأنصار: دعا رسول الله للأنصار فقال: "اللَّهمَّ أعزُّ الأنصار الذين أقام الله الدين بهم، الذين آوَوْني، ونصروني، وحَمَوني، وهم أصحابي في الدنيا وشيعتي في الآخرة، وأول من يدخل الجنة من أُمّتي." وحينما سَأل الأنصار رسول الله أن يدعوا لهم قال: "اللَّهمّ اغفر للأنصار ولأبناءِ الأنصار ولأبناءِ أبناء الأنصار".

إيثار الأنصار في أمر الخلافة: تُوفيّ رسول الله وكان أبو بكر في طائفة المدينة، فجاء فكشف عن وجهه، فقال: "فدىً لك أبي وأمي، ما أطيبك حيًّا وميّتًا. مات محُمدّ وربِّ الكعبة". قال أبو بكر: "لقد علمتُ أنّ رسول الله قال: "لو سَلك الناس واديًا، وسَلكتْ الأنصار واديًا، لسَلكتُ وادي الأنصار" ولقد علمتَ يا سعْد – وهو سَعد بن عبادة- أن رسول الله قال - وأنت قاعد -: "قُريش وُلاةُ هذا الأمر، فبَرُّ الناس تَبعٌ لبَرِّهم، وفَاجرِهُم تَبعٌ لفَاجِرهُم". فقال له سعد رضي الله عنه: "صدقت. نحن الوُزراء وأنتم الأُمرَاء".

 


حياة الصحابة - الجزء الأول
حياة الصحابة - الجزء الأول
محمد يوسف الكاندهلوي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00