كيف كان أخلاقُ النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم وأصحابه وشمائلهم (طبائعهم)
أولًا: حُسن خُلق النبيّ ﷺ: نأخذ من هذا حديث سعدٍ بن هشام، قال سعد: "سألتُ عائشة أمّ المؤمنين فقلتُ: أخبريني عن خُلق رسول الله ﷺ! فقالت: أمَا تقرأ القُرآن؟ قلتُ: بلى، فقالت: كان خُلقه القُرآن، وإنّ القرآن جاء بأحسن أخلاق النّاس."
ثانيًا: خُلق أصحاب النبيّ ﷺ: تأتي شهادته ﷺ في خُلق أبي عُبيدة عن الحَسن أنّ رسول الله ﷺ قال: «ما من أحدٍ من أصحابي إلّا لو شئتُ لأخذتُ عليه في خُلقه ليسَ أبا عُبيدة بن الجرَّاحِ».
وعن عبد الرحمن بن عثمان القُرشِيّ أنّ رسول الله ﷺ دخل على ابنته وهي تغسِل رأس عثمان بن عفّان، فقال: «يا بُنَيَّة! أحسِني إلى أبي عبد الله فإنّه أشبه أصحابي بي خُلقًا».
ونأخذ من تلك الصفات الطّيبة والأخلاق الحَسِنة:
حِلمُ النبيّ ﷺ: أخرَج البُخاريّ عن عبد الله قال: لمّا كان يوم حُنَينٍ آثر النبيّ ﷺ ناسًا أعطى الأَقْرع بن حابِسٍ مائةً من الإبل، وأعطى عُيَيْنة مثل ذلك، وأعطى ناسًا، فقال رجلٌ: ما أريد بهذه القسمة وجهُ الله، فقلتُ: لأُخبِرنّ النبيّ ﷺ!، فأخبرتُه، فقال: «رحِم الله موسَى! قد أُوذِى بأكثر من هذا فصبر».
حِلمُ أصحاب النبيّ ﷺ: عن أبي الزَّعراء قال: كان عليُّ بن أبي طالبٍ يقول: إنّي وأَطَايب أزواجي وأبرار عِتْرَتي أحلَمُ الناس صغارًا وأعلَمُ الناس كبارًا، بنا ينفي الله الكذب، وبنا يعقِر (يقطع) الله أنياب الذئب الكَلِب (داء يعرض من عضّ الكلب للكلب)، وبنا يفكُّ الله عَنوَتكم (أي: بواسطتنا يخلّص الله أشياءكم التي أُخذت منكم قهرًا) وينزع رِبقَ أعناقكم وبنا يفتح الله ويختِم.
تواضع النبيّ ﷺ: عن أبي هريرة قال: جلس جبريل -عليه السلام- إلى النبيّ ﷺ، فنظر إلى السماء فإذا مَلَكٌ ينزل، فقال جبريل: هذا المَلكُ ما نزل منذ خُلِق قبل الساعة، فلمّا نزل قال: يا محمّد؛ أرسلني إليك ربُّكَ؛ أفَمَلِكًا نبيًا أجعلُكَ أو عبدًا رسولًا؟ قال جبريل: تواضَع لربِّكَ يا محمد! قال: «بل عبدًا رسولًا».
تواضع أصحاب النبيّ ﷺ: من ذلك نأخذ مثالًا عن تواضُع عُمر بن الخطّاب، فعن أَسْلَم قال: قدِم عُمر بن الخطّاب الشّام على بعيرٍ، فجعلوا يُحدِّثون بينهم، فقال عُمر: تَطْمَحُ (ترتفع) أبصارهم إلى مراكبِ مَن لا خَلاق له.
وعن تواضع عثمان بن عفّان، عن ميمون بن مِهْرَان قال: أخبرني الهَمْدانيّ أنّه رأى عثمان بن عفّان وهو على بغلَةٍ، وخَلْفَه عليها غُلامه نائِلٌ، وهو خليفةٌ.
وعن تواضع عَليّ بن أبي طالبٍ، عن صالحٍ بَيَّاعِ الأَكسِية عن جَدَّته قالت: رأيتُ عَلِيًّا اشترى تمرًا بدِرهمٍ فحمَله في مِلحَفته، فقلتُ له -أو قال له رجلٌ-: أحمِلُ عنكَ يا أمير المؤمنين! قال: لا، أبو العِيال أحقُّ أن يَحمِلَ.
جُودُ سيدنا محمد ﷺ: عن الرُّبَيِّع بنتٌ مُعَوِّذٍ بن عفرَاء -رضي الله عنهما- قالت: بعثني مُعَوِّذٍ بن عفرَاء بقناعٍ (أي: طبق من عسب النخل تُجمع فيه الفاكهة وغيرها) من رُطْبٍ عليه أَجرٍ من قِثاءٍ زُغْبٍ (الشعرات الصغيرة على ريش الفرخ) إلى رسول الله ﷺ، وكان النبيّ ﷺ يُحبّ القِثاء، وكانت حِلْيَةً قد قدِمتْ من البحرين فملأ يده منها فأعطانِيها ملء كفّي حُلِيًّا أو ذهبًا.
جود أصحاب النبيّ ﷺ: عن ابن عُمر -رضي الله عنهما- قال: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله ﷺ فقالت: إنّي نويتُ أن أعطِيَ هذا الثوب أكرم العرَب، فقال ﷺ: «أعطيهِ هذا الغُلام» - يعني سعيد بن العاص- وهو واقفٌ، فلذلك سُمّيت الثياب السَّعْديَّة.
صبرُ سيدنا محمد ﷺ: عن عائشة -رضي الله عنها- أنّ رسول الله ﷺ طرَقه وجعٌ، فجعل يشتكي ويتقلَّب على فراشه، فقالت له عائشة: لو فعلَ هذا بعضنا وَجَدْتَّ عليه! فقال: «إنّ المؤمنين ليُشدِّد عليهم، وإنه ليس من مؤمنٍ تصيبه نكبةٌ شوكةٍ ولا وجعٌ إلّا كفَّر الله عنه بها خطيئةً ورفع له بها درجةً».
صبر أصحاب النبيّ ﷺ على الأمراض: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: فقدَ النبيّ ﷺ رجلًا كان يُجالسه فقال: «ما لِي فقدتُ فُلانًا؟» فقالوا: اعتُبِطَ -وكانوا يسمّون الوَعْك الاعتباط- فقال: «قوموا حتى نَعُودَه» فلما دخل عليه بكى الغُلام فقال له النبيّ ﷺ: «لا تبكِ فإنّ جبريل أخبرني أنّ الحُمَّى حظّ أُمّتي من جهنم».
شُكر سيدنا محمد ﷺ: عن عبد الرحمن بن عوفٍ قال: خرج رسول الله ﷺ فتوجَّه نحو مَشْرُبَته (غرفته) فدخل، فاستقبل القِبلة فخرَّ ساجدًا فأطال السّجود حتى ظَننتُ أنّ الله ﷻ قد قبض نفسه فيها، فدنوتُ منه (فجلستُ)، فرفع رأسه قال: مَن هذا؟ قلتُ: عبد الرحمن، قال: «ما شأنُكَ؟»، قلتُ: يا رسول الله! سجدتَ سجدةً خشيتُ أن يكون الله ﷻ قد قبض نفسك فيها، فقال: «إنّ جبريل أتاني فبشَّرني فقال: إنّ الله ﷻ يقول: مَنْ صَلَّى عليكَ صَلَّيتُ عليه، ومَن سلَّمَ عليكَ سَلَّمتُ عليه، فسجدتُ لله ﷻ شُكرًا.»
شُكر أصحاب النبيّ ﷺ: عن أبي الدَّرداء قال: ما أمسيتُ ليلةً وأصبحتُ لمْ يرمني الناس فيها بداهِيةٍ (غضب) إلّا رأيتُها نعمةً من الله عليّ عظيمةً. وعنده أيضًا عنه قال: مَن لمْ يرَ أنّ الله عليه نعمةً إلّا في الأكل والشرب فقد قلّ فهمُه وحضَر عذابه.
خوف سيدنا محمد ﷺ الله: عن ابن عباسٍ قال: قال أبو بكرٍ: يا رسول الله! أراكَ شِبْتَ (أي: ظهر عليك آثار الضعف قبل أوان الكِبر)؟ فقال: «شَيْبَتني هُودُ، والوَاقعة، والمُرسلات وعمَّ يتساءلون، وإذا الشّمس كُوِّرتْ!»
خوف أصحاب النبيّ ﷺ: عن سعيد بن المُسَيَّب أن عمر بن الخطّاب اشتكى، فدخل عليه النبيّ ﷺ يَعُودُه فقال: «كيفَ تَجِدُكَ يا عُمر؟» قال: أرجو وأخاف، فقال رسول الله ﷺ: «ما اجتمع الرجاء والخوف في قلب مؤمنٍ إلّا أعطاه الله الرجاء وآمنه الخوف».
نأخذ من ذلك أولى زوجات النبيّ ﷺ، فعن نكاح النبيّ بخديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-: عن ابن عباسٍ أنّ رسول الله ﷺ ذكَر خديجة وكان أبوها يرغبُ أن يُزوِّجه، فصنعتْ طعامًا وشرابًا فدعتْ أباها ونفرًا من قُريش فطعِموا وشربوا حتى ثملوا، فقالت خديجة: إنّ محمَّد بن عبد الله يخطُبني فزوِّجني إياه، فزوَّجها إيّاه، فخلَّقتْه وألبستْه حُلَّةً -وكذلك كانوا يفعلون بالآباء- فلمّا سُرِّي عنه سُكْرُه نظر فإذا هو مُخلَّقٌ وعليه حُلَّةٌ، فقال: ما شأني؟ ما هذا؟ قالت: زوَّجتني مُحمَّد بن عبد الله، فقال: أنا أُزوّج يتيم أبي طالبٍ؟ لا لَعَمْرِي! قالت خديجة: ألا تستحيي؟ تُريد أن تُسَفِّه نفسكَ عند قُريشٍ تخبر الناس أنك كنتَ سكران؟ فلمْ تزَل به حتى رضِيَ.
معاشَرة أصحاب النبيّ ﷺ ورضي عنهم: عن أبي إسحاق السَّبيعِيّ قال: دخلتْ امرأة عثمان بن مظعُون على نساء النبيّ ﷺ سيئة الهيئة في أخلاقٍ لها، فقُلنَ لها: مالكِ؟ فقالت: أمّا الليلُ فقائِمٌ وأمّا النهار فصائمٌ، فأُخبِرَ النبيّ ﷺ بقولِها، فلِقي عثمان ابن مظْعُون فلامَه فقال: «أما لكَ بي أُسوَةٌ؟» قال: بلى، جعلني الله فِداكَ، فجاءت بعدُ حَسِنة الهيئة طيِّبة الريح.
هَدي النّبي في الطعام والشراب: عن أبي هريرة قال: ما عاب رسول الله ﷺ طعامًا قطّ، إن اشتهاه أكلَهُ وإلّا تركهُ.
وعن عمرو بن أبي سَلمة قال: أكلتُ يومًا مع رسول الله ﷺ فجعلتُ آخذ من لحمٍ حولَ الصَّحْفَة، فقال رسول الله ﷺ: «كُلْ مِمّا يَلِيكَ».
هَديُ صحابة النبيّ ﷺ في الطعام والشراب: نأخذ من ذلك عن ابن (أَغْيَدَ) قال: قال عَلِيُّ: يا ابن (أَغْيَدَ) هل تدري ما حقّ الطعام؟ قلتُ: وما حقّه؟ قال تقول: بسمِ الله، اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا! ثم قال: أتدري ما شُكرُه إذا فَرغْتَ؟ قلتُ: وما شُكره؟ قال تقول: الحَمدُ لله الذي أطعمنا وسَقانا.
قال معاذ بن مُحمد الأنصاريّ: سمعتُ عطَاءَ الخُرَاسانيّ في مجلسٍ فيه عِمرَان بن أبي أنسٍ يقول وهو فيما بين القبر والمنبر: أدركتُ حُجَرَ أزواج رسول الله ﷺ من جَرِيد النخل، وعلى أبوابها المُسُوحُ (الكِساء) من شَعرٍ أسود، فحضرتُ كتاب الوليد بن عبد الملكِ يُقرَأ يأمُر بإدخال حُجَر أزواج النبي ﷺ في مسجد رسول الله ﷺ، فما رأيتُ يومًا أكثر باكِيًا من ذلك اليوم، قال عطاء: فسمعتُ سعيد بن المُسَيَّب يقول يومئذ: واللهِ! لوَددتُ أنّهم تركوها على حالها؛ ينشأُ ناشئٌ من أهل المدينة، ويَقدَم القادم من الأُفق، فيرى ما اكتفى به رسول الله ﷺ في حياته، فيكون ذلك مما يُزهِّد الناس في التكاثر والتفاخر فيها -يعني الدنيا-. قال معاذ: فلما فرغ عطاءٌ الخُراسانيّ من حديثه قال عِمران بن أبي أنسٍ: كان منها أربعة أبياتٍ بلَبِنٍ لها حجرٌ (ناحية) من جَريدٍ، وكانت خمسة أبياتٍ من جَريدٍ مُطيَّنة لا حجر لها، على أبوابها مُسُوح الشَّعر، ذَرعتُ السِّتْرَ فوجدتُه ثلاث أذرُعٍ في ذراعٍ، والعظمِ أو أدنى من العظم (العظمة: وهي حوالي نصف الذراع أو ثلثها)؛ فأمّا ما ذكرتَ من كثرة البكاء فلقد رأيتُني في مجلسٍ فيه نفرٌ من أبناء أصحاب رسول الله ﷺ، منهم أبو سَلَمة بن عبد الرحمن، وأبو أُمَامة بن سَهْل بن حُنَيْفٍ، وخارِجة بن زيدٍ، وإنّهم ليبكون حتى أخضل لُحاهم الدمع (ابتلّت اللحية)، وقال يومئذ أبو أُمامة: ليتها تُركَتْ فلمْ تُهدَم حتى يُقصِرَ الناس عن البناء، ويروا ما رضي الله لنبيّه ﷺ ومفاتيح خزائن الدنيا بيده!.