في خريف عام 2003، التقى رجل الأعمال ومهندس الألكترونيات (جي بي ستراوبل) بإيلون ماسك في سبيس إكس لإقناعه بالاستثمار في مشروع لصناعة طائرة كهربائية. ورغم أن ماسك لم يعجب بالفكرة، إلا أنه أبدى اهتمامًا عندما شرح ستراوبل فكرة استخدام بطاريات الليثيوم في صنع السيارات الكهربائية.
ووافق ماسك فورًا على استثمار 10 آلاف دولار في المشروع.
وبعد فترة وجيزة من ذلك، اتصل مؤسسو شركة جديدة تُدعى (تسلا موتورز) بإيلون ماسك. وكانوا يبحثون عن مستثمر لتمويل 7 ملايين دولار حتى يتمكنوا من إنشاء وبيع سيارة رياضية تعمل بمحرك كهربائي.
ووافق إيلون ماسك على استثمار 6.5 مليون دولار في تسلا موتورز، مما جعله أكبر مساهم للشركة. قام ماسك بربط مؤسسي تسلا، مع جي بي ستراوبل، الذي كان يعمل على تطوير بطاريات السيارات الكهربائية.
بدأت تسلا في تطوير التكنولوجيا في مستودع صغير بمساحة 1000 قدم مربع في سان كارلوس. كانت الخطة الأصلية لشركة تسلا بسيطة، وهي تعديل سيارة (لوتس إيليز) باستخدام نظام دفع كهربائي من تطوير شركة (إيه سي بروبولشن).
لكن الواقع كان أكثر تحديًا، خاصة عندما بدأ المهندسون في العمل على جمع بطاريات الليثيوم بشكل متوازي، حيث كان عليهم إيجاد طريقة لربط الخلايا بحيث لا تتبدد الحرارة أو ينتشر الحريق في حالة وقوع حادث.
فيما بعد، قرر فريق تسلا أن السيارة الجديدة، التي سميت "رودستر"، يجب أن تكون أنيقة وجذابة للعملاء، فتعاقدوا مع مصممين لتطوير تصميم جديد باستخدام ألياف الكربون. في يناير 2006، حصلت تسلا على استثمار آخر بقيمة 40 مليون دولار، واستثمر ماسك 12 مليون دولار إضافية.
عند إعلان السيارة "رودستر" في يوليو 2006، كان سعرها 90 ألف دولار، وكانت قادرة على قطع مسافة 400 كيلومتر تقريبًا لكل شحنة بطارية. لكن المحللين الماليين اكتشفوا أن تكلفة تصنيع كل سيارة تتراوح بين 170 ألف دولار و200 ألف دولار.
واجهت كل من تسلا وسبيس إكس، أزمات خانقة في تلك الفترة. كانت سبيس إكس تكافح لتأمين الأموال اللازمة لدفع رواتب موظفيها، بينما كانت تسلا تعاني من ضغوط مالية كبيرة تهدد بقاءها. إضافة إلى ذلك، تداولت وسائل الإعلام تقارير سلبية شككت في قدرة إيلون ماسك على إدارة الأعمال.
أدرك ماسك خطورة الوضع، وفي ديسمبر 2008 تم إطلاق حملات مكثفة ومتزامنة لجمع الاستثمارات لدعم كلتا الشركتين. وفي 23 ديسمبر، حصلت سبيس إكس على دفعة هائلة للأمام عندما أعلنت وكالة ناسا عن عقد بقيمة 1.2 مليار دولار، يشمل إطلاق 12 رحلة إلى محطة الفضاء الدولية. جاء هذا النجاح بعد الإطلاق الرابع الناجح لصاروخ سبيس إكس.
أما تسلا، فكانت تواجه خطر الإفلاس بسبب نقص التمويل، ومع عدم قدرة ماسك على جذب استثمارات خارجية كافية، قرر ضخ 40 مليون دولار إضافية في الشركة، واضطر إلى الاقتراض من سبيس إكس لدعم تسلا، وهو ما أظهر التزامه القوي بمستقبل الشركتين.
في الوقت الحالي، يعتبر صاروخ سبيس إكس فالكون 9 من بين أكثر الصواريخ موثوقية في صناعة الفضاء.
تطلق سبيس إكس صاروخًا واحدًا في المتوسط شهريًا، لوضع الأقمار الصناعية في المدار لصالح عدة دول وشركات مختلفة.
تتميز سبيس إكس بميزة تنافسية استثنائية، وهي قدرتها على تصنيع جميع مكوناتها داخليًا، مما يُقلل من اعتمادها على الموردين الخارجيين. على عكس منافسيها الأمريكيين، مثل بوينج ولوكهيد مارتن، الذين يعتمدون على مورّدين رُوس، لذلك استطاعت سبيس إكس تقديم خدمات إطلاق أقل تكلفة وأكثر استقلالية.
تبلغ تكلفة إطلاق صاروخ "فالكون 9" حاليًا حوالي 60 مليون دولار، وهي تكلفة أقل بكثير من منافسيها. وتخطط الشركة لخفض التكلفة إلى 20 مليون دولار باستخدام مبدأ اقتصاديات الحجم. وعلى المدى الطويل، يطمح ماسك إلى تقليل التكلفة إلى أقل من 12 مليون دولار، مقارنةً بما يفرضه تحالف الإطلاق المتحد (اتحاد شركتي بوينغ ولوكهيد مارتن) على الحكومة الأميركية، والذي يصل إلى حوالي 380 مليون دولار لكل رحلة.
وبينما يُعتبر "فالكون 9" أحدث صواريخ سبيس إكس حاليًا، تعمل الشركة على تطوير "فالكون هيفي"، وهو صاروخ عملاق يتكون من ثلاثة صواريخ "فالكون 9"، مما يضاعف حمولة الصاروخ بتكلفة أقل. تسعى الشركة أيضًا إلى إنشاء ميناء فضائي في ولاية تكساس، بالإضافة إلى كبسولات جديدة قادرة على الرسو بمحطة الفضاء الدولية.
المثير للإعجاب أن كل هذه الإنجازات تحققت بينما ظلت شركة سبيس اكس خاصة، دون فتح رأس مالها للجمهور.
بفضل هذه الإنجازات، أصبحت سبيس إكس نموذجًا رائدًا في صناعة الفضاء، ووضعت الولايات المتحدة في موقع متقدم في سوق الإطلاق التجاري.