فصلٌ في لسان أهل الجَنَّة
عن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يدخل أهل الجنةِ الجنةَ على طول آدم ستين ذراعًا بذراع الملك، على حُسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد ﷺ جُرْدٌ مُرْدٌ مكحّلون»، وروى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: «لسان أهل الجنة عربيٌّ»، وقال عقيل: قال الزهريُّ: «لسان أهل الجنة عربيّ».
فصلٌ في احتجاج الجَنَّة والنّار
في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ ﷺ قال: «احتجّت النار والجنة فقالت هذه: يَدْخلُني الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه: يَدخلني الضعفاء والمساكين، فقال الله عزّ وجلّ لهذه: أنتِ عذابي أعذِّبُ بكِ من أشاء، وقال لهذه: أنتِ رحمتي أرحم بكِ من أشاء، ولكل واحدة منكما مِلؤها».
فصلٌ في أنّ الجَنّة يبقى فيها فضل فُينشئ الله خلقًا دون النار
في «الصحيحين» عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيّ ﷺ قال: «لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] حتى يضعَ ربُّ العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قَطْ قَطْ بعزَّتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضلٌ حتى يُنشئ الله لها خلقًا، فيسكنهم الجنة».
فصلٌ في امتناع النوم على أهل الجَنَّة
عن جابرٍ قال: قال رسول الله ﷺ: «النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون».
فصلٌ في ارتقاء العبد وهو في الجنة من درجةٍ إلى درجةٍ أعلى منها
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب أنّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك».
فصلٌ في إلحاق ذُرّية المؤمن به في الدرجة وإن لم يعملوا عمله
ذكر ابن مردويه في «تفسيره» عن ابن عباس -رضى الله عنهما- قال شريك: «أظنّه حكاهُ عن النبي ﷺ قال: «إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك أو عملك فيقول: يا رب قد عمِلتُ لي ولهم، فيؤمر بالإلحاق بهم، ثم تلا ابن عباس قوله تعالى في سورة [الطور:٢١]: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}».
فصلٌ في أنّ الجَنّة تتكلّمُ
قد تقدّم قوله ﷺ: «احتجّت الجنة والنار»، وقوله: «قالت الجنة: يا رب قد اطردت أنهاري، وطابت ثماري فعجّل عليَّ بأهلي»، وعن سعد الطائيّ قال: «أُخْبرتُ أن الله تعالى لمّا خلق الجنة قال لها: تزيَّني فتزينتْ، ثم قال لها: تكلّمي، فتكلّمت، فقالت: طوبى لمن رضيتَ عنه».
فصلٌ في أنّ الجَنّة تزداد حُسنًا على الدوام
عن كعبٍ قال: «ما نظر الله إلى الجنة إلا قال: طوبى لأهلكِ، فتزداد ضِعفًا حتى يدخلَها أهلها».
فصلٌ في أن الحور العين يطلبن أزواجَهنّ أكثر مما يطلبهنَّ أزواجُهنَّ
عن أبي سليمان الدارانيّ قال: «كان شاب بالعراق يتعبد، فخرج مع رفيق له إلى مكة، فكان إذا نزلوا فهو يصلي، وإن أكلوا فهو صائم، فصبر عليه رفيقه ذاهبًا وجائيًا، فلما أراد أن يفارقه، قال له: يا أخي أخبرني ما الذي هيَّجَك إلى ما رأيت؟ قال: رأيت في النوم قصرًا من قصور الجنة، وإذا لبنة من فضة ولبنة ذهب، فلما تم البناء إذا شرفة من زبرجد، وشرفة من ياقوت، وبينهما حوراء من حور العين مُرْخِيةٌ شعرها، عليها ثوب من فضة ينثني معها كلّما تثنَّت، فقالت: جُدَّ إلى الله في طلبي، فقد والله جَدَدتُ إليه في طلبكَ، فهذا الذي تراه في طلبِها».
فصلٌ في ذبح الموت بين الجَنَّة والنّار
عن أبي سعيد الخدريِّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «يجاء بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا؟ فيَشرئِبُّون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت. قال: ثم يُقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ رسول الله ﷺ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحسرة إِذْ قُضِيَ الأمر وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنونَ} [ مريم: 39].
فصلٌ في ارتفاع العبادات في الجَنَّة إلا عبادة الذِكر فهي دائمة
روى مسلم في «صحيحه» من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبيَّ ﷺ قال: «يأكل أهل الجنة فيها ويشربون، ولا يمتخطون ولا يتغوطون، ولا يبولون، ويكون طعامهم ذلك جُشاء ورشحًا كرشح المسك، يُلهَمون التسبيح والحمد كما يُلهمون النفَس».
وهذا في القرآن كثير، مداره على ثلاث قواعد: إيمان، وتقوى، وعمل خالص لله على موافقة السُّنّة. فأهل هذه الأصول الثلاثة هم أهل البشرى دون مَن عداهم من سائر الخلق، وعليها دارت بشارات القرآن والسُّنّة جميعُها، وهي تجتمع في أصلين: إخلاص في طاعة الله، وإحسان إلى خلقه، وضدُّها يجتمع في الذين يراؤون ويمنعون الماعون، ويرجع إلى خَصلةٍ واحدة، وهي موافقة الربِّ سبحانه وتعالى في محابّه، ولا طريقَ إلى ذلك إلا بتحقيق القدوة ظاهرًا وباطنًا برسول الله ﷺ.
فصلُ الخِتام
يـُختَم هذا الكتاب بما ابتُدِئَ به أولًا، وهو خاتمة دعوى أهل الجَنَّة في قوله تعالى في سورة [يونس:٩-١٠]: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠)}.