المجلس السادس: في وداع رمضان

في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر".

وفي تأويله قولان: أحدهما أن تكفير هذه الأعمال مشروط باجتناب الكبائر، فمن لم يجتنب الكبائر لم تكفر له هذه الأعمال كبيرة ولا صغيرة، الثاني أن المراد أن هذه الفرائض تكفر الصغائر خاصة بكل حال، وسواء اجتنبت الكبائر أو لم تجتنب، وأنها لا تكفر الكبائر بحال، وقد روي أن الصائمين يرجعون يوم الفطر مغفورا لهم، وأن يوم الفطر يسمى يوم الجوائز. كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: «إذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض فيقومون على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه جميع من خلق الله إلا الجن والإنس يقولون : يا أمة محمد اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويعفو الذنب العظيم فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله عز وجل لملائكته : يا ملائكتي ما جزاء الأجير إذا عمل عمله فيقولون إلهنا وسيدنا أن توفيه أجره فيقول : إني أشهدكم أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم رضائي ومغفرتي انصرفوا مغفورا لكم». خرجه سلمة بن شبيب في كتاب "فضائل رمضان".

وروي عن علي - رضي الله عنه -: أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه، وعن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول منا فنهنيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه. أيها المقبول هنيئا لك أيها المردود جبر الله مصيبتك.

وشهر رمضان تكثر فيه أسباب الغفران فمن أسباب المغفرة فيه صيامه وقيامه وقيام ليلة القدر. والاستغفار هو طلب المغفرة، ودعاء الصائم مستجاب في صيامه وعند فطره، ولهذا كان ابن عمر إذا أفطر يقول: اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي. وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المرفوع في فضل شهر رمضان: « ويغفر فيه إلا لمن أبى»، قالوا : يا أبا هريرة ومن يأبى؟ قال: يأبى أن يستغفر الله. ومنها استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا، وقد تقدم ذكره، فلما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته المغفرة فيه محروما غاية الحرمان.

والشهر كله شهر رحمة ومغفرة وعتق، فيفاد على المتقين في أول الشهر خلع الرحمة والرضوان، ويعامل أهل الإحسان بالفضل والإحسان، وأما أوسط الشهر فالأغلب عليه المغفرة، فيغفر فيه للصائمين، وإن ارتكبوا بعض الذنوب الصغائر، فلا يمنعهم من المغفرة، وأما آخر الشهر فيعتق فيه من النار من أوبقته الأوزار، واستوجب النار بالذنوب الكبار.

وفي حديث ابن عباس المرفوع: "ولله عز وجل في كل ليلة من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النار كلهم قد استوجب العذاب فإذا كان آخر ليلة شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بقدر ما أعتق من أول الشهر إلى آخره". وبينما كان يوم الفطر من رمضان عيدا لجميع الأمة؛ لأنه يعتق فيه أهل الكبائر من الصائمين من النار، فيلتحق فيه المذنبون بالأبرار؛ ولذلك ينبغي علينا أن نختم صيام رمضان بالاستغفار. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر؛ فإن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، والاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث ولهذا قال بعض العلماء المتقدمين: "إن صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة".


بُغْيةالإِنسانِ في وظائف رمضان
بُغْيةالإِنسانِ في وظائف رمضان
أبي الفرج عبدالرحمن بن رجب الحنبلي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00