بَابُ مَا جَاءَ فِي مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم معتدلًا في مِشيتِه، فلم يكن متماوتًا، ولا مُهروِلًا مضطّربًا، ولكن يمشي مَشيًّا قويًّا، يُسرعُ فيه إسراعًا لا يَذهبُ بوقارِه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «وَلَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ إِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ».
 

بَابُ مَا جَاءَ فِي جِلْسَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتَكَأَته واتِّكَائه

كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتخشِّعًا في جِلستِه يجلسُ الْقُرْفُصَاءَ (أيِ الجلوسَ على الأليتينِ، وضمَّ الفخِذين والساقين إلى البطنِ بالذراعين)، وكان أيضًا يتكِئُ على وسادةٍ أو يضعُ إحدى رجليه على الأخرى ونهى عن الأكلِ متكئًا. ولمّا مرِضَ (بأبي هو وأمي) صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يتسندُ على بعضِ أصحابِه.
عَنْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهَا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ قَاعِدٌ الْقُرْفُصَاءَ قَالَتْ: «فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَخَشِّعَ فِي الْجِلْسَةِ أُرْعِدْتُ مِنَ الْفَرَقِ».
عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى».
عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ شَاكِيًا فَخَرَجَ يَتَوَكَّأُ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قِطْرِيٌّ قَدْ تَوَشَّحَ بِهِ فَصَلَّى بِهِمْ».

 

بابُ في مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَكْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخُبْزِه وإِدَامِه وقَدَحِه

كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زاهدًا متواضعًا متبَسِّطًا في ملبسِه وطعامِه إذا أكل لا يأكلُ وهو متَّكِئٌ. وإذا أكل يأكلُ بأصابعِه الثلاثةِ، ويَلعقُها، وكان أكثرُ خبزِه الشَّعيرَ الخشنَ غيرَ المرقَّقِ ولم يشبعْ قطُّ من خبزٍ ولحمٍ، إلَّا إذا أكل مع الناسِ، وكان يأكلُ الخلَّ، والزيتَ، وكان يحبُّ أكلَ الدُّبَّاءِ، وهو نوعٌ من القرعِ، ويحبُّ أكلَ الحَلواءِ والعسلِ، ويحبُّ أكلَ ذراعِ الشاةِ.
وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أكل بدأ باسمِ اللهِ وإذا انتهى يحمَدُ اللهَ تعالى وأمرَ مَن نسيَ التسميةَ في أوّلِه أن يقولَ بسم اللهِ أوّلَه وآخرَه، وكان يشربُ من  قَدَحٍ (كوبٍ) مصنوعٍ من الخشبِ ومُضَبَّبٍ بالحديدِ.
عنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا».
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا هُوَ وَأَهْلُهُ لَا يَجِدُونُ عَشَاءً وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبْزَ الشَّعِيرِ».
عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ وَيَلْعَقُهُنَّ».
عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: «مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزٍ قَطُّ وَلَا لَحْمٍ، إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ». قَالَ مَالِكٌ: سَأَلْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: مَا الضَّفَفُ؟ قَالَ: «أَنْ يَتَنَاوَلَ مَعَ النَّاسِ».
 
عنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَ الْإِدَامُ أَوِ الْأُدْمُ: الْخَلُّ"، وعَنْ أَبِي أُسيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ».
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الدُّبَّاءُ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ، أَوْ دُعِيَ لَهُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِمَا أَعْلَمُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ».
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ».
 
عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: طَبَخْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِدْرًا وَقَدْ كَانَ يُعْجِبُهُ الذِّرَاعُ فَنَاوَلْتُهُ الذِّرَاعَ ثُمَّ قَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ»، فَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ قَالَ: «نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَمْ لِلشَّاةِ مِنْ ذِرَاعٍ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ سَكَتَّ لَنَاوَلْتَنِي الذِّرَاعَ مَا دَعَوْتُ».
وهذا قَسَمٌ من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بصِفةِ اللهِ الَّذي بيَدِهِ قَبضُ الأنْفُسِ، "لو سَكَتَّ لَناوَلتَني الذِّراعَ ما دَعَوتُ"، أي: إنَّك لو سَكَتَّ عمَّا قُلتَ مِن استِبعادِ الأمر، وامْتَثَلتَ أمْري في مُناوَلةِ المَزيدِ مِنَ الأذرُعِ لَوَجَدتَ في القِدْرِ ما لا نِهايةَ له من الأَذرُعِ ما دُمتَ ساكِتًا، فلمَّا نَطَقتَ انقَطَعَتْ، وهذا مُعجِزةٌ وكَرامةٌ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُستَمِدًّا للبَرَكةِ والعَطاءِ مِنَ اللهِ، فخرَجَ من شُؤمِ المُعارَضةِ انتِزاعُ البَرَكةِ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ ما كانَ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من طَلَبِ البَرَكةِ من اللهِ، وأنَّه واهبُها.
وفيه: أنَّ مُعارَضةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما لا يَعيهِ المُسلِمُ تَنزِعُ البَرَكةَ؛ فعلى المُسلِمِ اتِّباعُ السُّنَّةِ الصَّحيحةِ حتَّى فيما لا تَظهَرُ له عِلَّتُهُ.
 
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَرَّبَ طَعَامًا، فَلَمْ أَرَ طَعَامًا كَانَ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ، أَوَّلَ مَا أَكَلْنَا، وَلَا أَقَلَّ بَرَكَةً فِي آخِرِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ هَذَا؟ قَالَ: «إِنَّا ذَكَرْنَا اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَكَلْنَا، ثُمَّ قَعَدَ مَنْ أَكَلَ وَلَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى فَأَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ».
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى طَعَامِهِ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ".
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ».
 

بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ شَرَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصِفَةِ شُرْبِه

كان صلوات الله وسلامه عليه يحبُّ الشرابَ الحُلوَ الباردَ، وكان يشربُ قائمًا وقاعدًا، وكَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا إِذَا شَرِبَ، وَيَقُولُ: «هُوَ أَمْرَأُ وَأَرْوَى».
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلْوُ الْبَارِدُ».
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا».

 

بَابُ مَا جَاءَ فِي تَعَطُّرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

كان صلى الله عليه وسلم يحبُّ التعطُّرَ، والطِّيبَ، قَالَ أَنَسٌ: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ».

الشمائل المحمدية
الشمائل المحمدية
أبي عيسى الترمذي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00