بَابُ مَا جَاءَ فِي عَيْشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

من عاداتِ المُلوكِ أن يصطفوا لأنفسِهم أفخرَ الثيابِ، وأفخرَ الطعامِ والشرابِ، وأجملَ الناسِ، وأعظمَ القصورِ، وأن يكنزوا الثرواتِ من الذهبِ والفضّةِ، وكلُّ هذا كان متاحًا للرسولِ الكريمِ، فأعرضَ عنه ابتغاءَ وجهِ اللهِ تعالى. وقد كان صلى الله عليه وسلم أزهدَ الناسِ في ملذّاتِ الحياةِ الدنيا، واختار الآخرةَ على الدنيا، فلا يأخذُ من متاعِ الدنيا إلَّا الكَفافَ، حتَّى في الطعامِ والشرابِ، بل كان عَيشُه أقلَّ من الكَفافِ.

عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئِتُمْ؟ «لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بَطْنَهُ»، وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنْ كُنَّا آلَ مُحَمَّدٍ نَمكُثُ شَهْرًا مَا نَسْتَوْقِدُ بِنَارٍ، إِنْ هُوَ إِلَا التَّمْرُ وَالْمَاءُ».

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارَيِهِ إِبِطُ بِلَالٍ».

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْتَمِعْ عِنْدَهُ غَدَاءٌ وَلَا عَشَاءٌ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ إِلَّا عَلَى ضَفَفٍ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كَثْرَةُ الْأَيْدِي".

عَنْ نَوْفَلِ بْنِ إِيَاسٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لَنَا جَلِيسًا، وَكَانَ نِعْمَ الْجَلِيسُ، وَإِنَّهُ انْقَلَبَ بِنَا ذَاتَ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا دَخَلْنَا بَيْتَهُ وَدَخَلَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ وَأَتَيْنَا بِصَحْفَةٍ فِيهَا خُبْزٌ وَلَحْمٌ، فَلَمَّا وُضِعَتْ بَكَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: «هَلكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَشْبَعْ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ» فَلَا أَرَانَا أُخِّرْنَا لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَنَا.

 

بَابُ مَا جَاءَ فِي سِنِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عاش النبيُّ ثلاثًا وستّين سنةً، وبُعِثَ على رأسِ أربعين سنةً، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ».

 

بَابُ مَا جَاءَ فِي وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشْفُ السِّتَارَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ وَالنَّاسُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَشَارَ إِلَى النَّاسِ أَنِ اثْبُتُوا، وَأَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّهُمْ وَأَلْقَى السِّجْفَ، وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ».

عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَوْتِ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، وَهُوَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى مُنْكَرَاتِ - أَوْ قَالَ عَلَى سَكَرَاتِ - الْمَوْتِ».

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ قَالَ: «مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ». ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ.

عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَوَضَعَ فَمَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى سَاعِدَيْهِ، وَقَالَ: «وَانَبِيَّاهُ، وَاصَفِيَّاهُ، وَاخَلِيلَاهُ».

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَمَا نَفَضْنَا أَيْدِيَنَا مِنَ التُّرَابِ، وَإِنَا لَفِي دَفْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا».

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ».

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "لَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُرَبِ الْمَوْتِ مَا وَجَدَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَاهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ، إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا الْمُوافَاةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

 

بَابُ: مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وقد اختار رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللهَ تعالى، ولم يخترْ لنفسِه من الدنيا شيئًا، ولم يدّخرْ لنفسِه منها شيئًا، وكان يُعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقرَ، يؤلّفُ قلوبَ الناسِ حرصًا منه على هدايتِهم، ولم يتركْ من متاعِ الدنيا شيئًا لا ذهبًا، ولا فضّةً، إنَّما العَيشُ عَيشُ الآخرةِ.

عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، أَخِي جُوَيْرِيَةَ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سِلَاحَهُ وَبَغْلَتَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً».

 

بَابُ مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ

عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَخَيَّلُ بِي» وَقَالَ: «وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ».

عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: «هَذَا الْحَدِيثُ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأَخُذُونَ دِينَكُمْ».

 

انتهى إلى هنا مختصرُ كتابِ (الشمائلُ المحمديةُ) للإمام الترمذيِّ

وصلَّى اللهُ وسلَّم وبارك على مَن رفع اللهُ ذكرَه.


الشمائل المحمدية
الشمائل المحمدية
أبي عيسى الترمذي
skip_next forward_10 play_circle replay_10 skip_previous
volume_up
0:00
0:00