الآيات
قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران:96]، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [القصص:57]، ﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ﴾ [التين:3]، وهذه الآيات وغيرها أنزلها الله سبحانه وتعالى في مكة ولم تنزل في بلد سواها.
الأحاديث
وعن ابن عباس_ رضي الله تعالى عنهما_، قال: قال رسول الله ﷺ يوم فتح مكة "إنَّ هذا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَومَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، فَهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ اللهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ، وإنَّه لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فيه لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لي إلَّا سَاعَةً مِن نَهَارٍ، فَهو حَرَامٌ بحُرْمَةِ اللهِ إلى يَومِ القِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ إلَّا مَن عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، فَقالَ العَبَّاسُ: يا رَسولَ اللهِ، إلَّا الإذْخِرَ، فإنَّه لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقالَ: إلَّا الإذْخِرَ؛ فإنَّه لِقَيْنِهِمْ ولِبُيُوتِهِمْ، فقالَ: إلَّا الإذْخِرَ" متفق عليه.
وعن عبد الله بن عدي بن حمراء_ رضي الله تعالى عنه_، قال: رأيت رسول الله ﷺ واقفًا على الخرورة من مكة، وهو يقول لمكة “واللهِ إنَّكِ لخَيرُ أرضِ اللهِ وأحَبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ، ولولا أنِّي أُخرِجْتُ منكِ ما خَرَجْتُ"، وبالجملة فمكة هي بلدة الله، وبلدة رسوله، وبلدة أصحابه الكرام، ومأوى جميع المؤمنين.
فصل في أسمائها
قال النووي: ولا يعلم بلد أكثر أسماء من مكة والمدينة؛ لكونهما أفضل بقاع الأرض، ومن أسمائها: مكة، بكة، البلد، القرية، أم القرى، البلد الأمين، الحرام، أم المشاعر، الحجاز، بلدة طيبة، وغيرها.
فصل في ألقابها وحدودها
فمنها: المشرفة، والمكرمة، والمهابة، والوالدة، والنادرة والجامعة، والمباركة.
وقد نظم بعضهم حدود الحرم في أبيات:
وللحرم التحديدُ من أرضِ طيبةٍ ... ثلاثةُ أميال، إذا رُمْتَ إتقانَهْ
وسبعةُ أميال، عراقٌ وطائفٌ ... وجُدَّةُ عشرٌ، ثم تسعٌ جِعرانَهْ
ومن يمنٍ سبعٌ بتقديمِ سينِه ... وقد كَمُلَتْ فاشكر لربك إحسانه
فصل في جبالها وحكم زيارتها
جبالها لا تحصى ومنها:
١ - أَبو قُبيس، وهو الجبل المشرف على الصفا، وهو أحد أخشبي مكة المشرفة.
٢ - وجبل حِراء بأعلى مكة، وهذا الجبل على ثلاثة أميال، وهو مقابل ثبير.
٣ - جبل ثور بأسفل مكة على بعد ثلاثة أميال، وفي أعلاه الغار الذي دخله النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه في رحلة الهجرة.
فصل في حكم المجاورة بها
ذهب الشافعي، وأحمد، وأبو يوسف ومحمد: إلى استحباب المجاورة بمكة، وخالف في ذلك ابن عباس، ومالك، قال في "المبسوط": لا بأس بالمجاورة؛ في قولهم، وإنه الأفضل، وعليه عمل الناس، خصوصاً مع ظلم الفَجَرة في سائر الأقطار، فلا بأس بالهُروع إلى بلد الله، والالتجاءُ ببلد رسوله والاعتصامُ بالله أولى من تحكم الأعداء في ضعفاء المسلمين، فضلًا عن أغنيائهم.
"المبسوط هو كتاب في الفقه على المذهب الحنفي من تأليف الإمام السرخسي (ت: 483هـ) وقد أملاه الإمام السرخسي على تلاميذه من ذاكرته وهو سجين بالجب (في بئر) في أوزجند (بفرغانة) وكان سبب سجنه كلمة نصح بها الخاقان."
فصل في الموت بها، وذكر من دُفن بها
عن حاطب بن أبي بَلْعَتة ، عن النبي ﷺ أنه قال: "من مات في أحد الحرمَيْن، بُعث يوم القيامة من الآمنين" أخرجه أَبو الفرج وأخرج نحوه وأبو حفص المَيَّانشي، وبمكة خلق كثير من الصحابة منهم: سيدنا عبد الله بن الزبير، وقصته مشهورة، وسيدنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
ومما أنعم الله به على سكان هذا البلد الحرام: أَلاَّ يبيت فيه جائع، كيف لا، وفيه طعام طعم وشفاء سقم. وقال الحضراوي في وجه تسميتها بالبلدة المرزوقة: إنك إذا دخلت مكة في أي وقت من الليل، فإنك تجد ما تطعَمُ فيها، فضلًا عن النهار، ولا يبيت فيها إنسان إلا شبعاناً حامداً شاكراً، انتهى، فينبغي لزومُ الأدب بها حسبَ الطاقة، والشكرُ لله.
فصل في آداب المجاورة بها
عن عياش بن ربيعة المخزومي، قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تزال هذه الأمة بخير ما عَظَّموا هذه الحرمةَ حَقَّ تعظيمها، فإذا ضَيَّعوا ذلك، هلكوا" رواه ابن ماجه، فمن أراد المجاورة بها ينبغي له أن يتأدب بآداب أهل التقى؛ لأنها حضرة الله الخاصة في الأرض، وهي كثيرة، منها:
١ - ألا يخطر بباله معصية قطُّ مدة مجاورته بمكة، ولو في بيته، فضلًا عن المسجد الحرام.
٢ - أن يأكل الحلال الصِّرْفَ مدةَ إقامته.
٣ - أن لا يبيت وعليه دينار أو درهم دين لأحد إلا أوفاه أو أوصى به.
٤ - ألا يسأله أحدٌ في الحرم شيئًا، ويمنعَه منه، إلا إن كان هو أحوجَ إليه من السائل.
5 - ألا يرى نفسَه قط أنه خير من أحد من المسلمين في سائر أقطار الأرض.
6 - ألا يذكر أحداً بسوء من سكان الحرم وسائر أقطار الأرض. قلت: وهذا هو الغيبة وحكمها معلوم.
فصل في مساجدها ودورها
منها:
١ - مسجد بأعلى مكة عند بئر جُبير بن مطعِم، ويعرف اليوم بمسجد الراية، يقال: إن النبي ﷺ صلى فيه.
٢ - ومسجد بأسفل مكة، ينسب إلى أبي بكر الصديق.
٣ - ومسجد خارج مكة من أعلاها، يقال له: مسجد الجن، ويسمى مسجدَ البيعة.
٤ - ومسجد الشجرة بأعلى مكة مقابل لمسجد الجن.
5 – مسجد الكبش الذي فدى به اسماعيل عليه السلام.
6 – مسجد الخيف بمنى وهو مشهور عظيم الفضل.
فصل في خطاها والمشي فيها
قالوا: المشي في أرضٍ مشى فيها رسول الله ﷺ يكفر السيئات، خصوصاً مع النية الصالحة التي هي أكبر الأعمال، وفيها بشرى له برجاء أن يكون متبعاً آثاره شريفة. قلت: وذلك يحتاج إلى سند؛ لأن المكفِّر إنما هو اتباع هديه وسننه ظاهراً وباطناً دون تتبع آثاره الأرضية فقط فتدبر.
فصل في النظر إلى البيت
إذا وقع النظر على البيت، فليكنْ ذلك مقترنًا بالتعظيم والإجلال، قال ابن عباس: النظر إلى الكعبة محض الإيمان، وعن سعيد بن المسيب: من نظر إلى الكعبة إيماناً وتصديقاً، خرج من الخطايا كيوم ولدته أمه، رواه الأرزقي، وفي الحديث: "فيه عشرون رحمة للناظرين"، وهذه الآثار تحتاج إلى النظر في سندها.
فصل في محلات يستجاب الدعاء بها
قال الحسن البصري: الدعاء مستجاب هناك في خمسةَ عشرَ موضعاً:
في الطواف، وعند الملتزم نصف الليل، وتحت الميزاب، وداخل الكعبة عند الزوال، وعند زمزم، وقت غيبوبة الشمس، وخلف المقام، وعلى الصفا، وعلى المروة، وفي المسعى، وفي عرفات، وفي المزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث.
فصل في بعض آياتها
منها:
١ - الحجر الأسود وما روي فيه من أنه من الجنة.
٢ – بقاء بنيانها الموجود الآن.
٣ – هيبتها في القلوب.
٤ – كف الجبابرة عنها مدى الدهر.
5 - كونها بواد غير ذي زرع، والأرزاق من كل قطر تُجبى إليها من قرب ومن بعد.
6 - أمنُ الحيوان فيه وسلامةُ الشجر.
7 - إجابة الدعاء حالاً.
8 - حفظُ الله تعالى للحجر الأسود من الضياع منذ أُهبط إلى الأرض، مع ما وقع من الأمور المقتضية لذهابه.